الغد الاردنيتحليل إخباري

التكنولوجيا الرقمية ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف

ممدوح سليمان العامري

آليات الإرهاب الرقمي وطرق مواجهتها 
استخدمت التنظيمات الارهابية والمتطرفة التكنولوجيا الرقمية للترويج لروايتها المتطرفة وكذلك لتجنيد العناصر وبث الرعب والخوف من خلال تصوير وبث عمليات القتل بطرق وحشية.
ركزت الإستراتيجيات الإعلامية للتنظيمات الارهابية وفي مقدمتها “تنظيم داعش الارهابي” في المقام الأول على الترويج لأفكارها وإقناع الناس بها والدفاع عنها ، إضافة إلى خلق صورة ذات تأثير مزدوج قادرة على الجذب والإرهاب في الوقت ذاته، المستهدف الأول لـ “آلة داعش الإعلامية” هم فئة الشباب، حيث سعى التنظيم إلى استقطاب الشباب وضمهم إلى صفوفه القتالية، إضافة إلى جذب مزيد من الاتباع والمؤيدين، أما المستهدف الثاني للتنظيم فهم عامة الجمهور ممن يهدف التنظيم إلى إثارة شعور واسع النطاق بالخوف وانعدام الأمن لديهم، وهذا دون شك يصب في مصلحة التنظيم أيضًا.
حاولت الدعاية الإعلامية لداعش العمل على تحسين صورة التنظيم وتبرير جرائمه الوحشية، وتصويره على أنه حامل لواء الخلافة، فضلًا عن تأكيدها الدائم بأن التنظيم “دولة قائمة بذاتها”، تملك جهازًا إعلاميًا ضخمًا يعتمد عليه كأحد أقوى أسلحته، الأمر الذي دفع العديد من الخبراء المعنيين بالحركات الإرهابية لمناقشة قضية الدعاية الإعلامية لداعش منذ نشأته حتى أنهم أكدوا أن التنظيم سوف يتبع أساليب جديدة ليستجمع قواه مرة أخرى بعد سقوطه في العراق وسورية.
منذ ظهوره عام 2014، وإعلانه دولة الخلافة المزعومة، نجح داعش في الترويج لأفكاره من خلال استراتيجية إعلامية مدروسة، واستقطاب الآلاف المقاتلين، معتمدًا في هذا على إنتاج مقاطع فيديو عالية الجودة ومواكبة لأحدث التقنيات الإعلامية العالمية، إضافة إلى طباعته لعدد من المجلات، ونجاحه في اختراق مواقع التواصل الاجتماعي واتخاذها نافذة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من مستخدمي هذه المواقع.
السؤال هنا: هل ما زالت الآلة الإعلامية لداعش قادرة على التأثير مثلما كانت تفعل قبل سقوط التنظيم وفقدانه لأراضيه التي كان يسيطر عليها في سورية والعراق؟ والإجابة بالتأكيد: لا؛ فقد تراجعت الشبكة الإعلامية الداعشية بشكل كبير، وعلى النحو الآتي: 

  • انخفاض كبير في حجم المحتوى المنشور، إضافة إلى رداءة جودته خاصة في جودة الفيديوهات والصور.
  • غلبة النغمة الدفاعية على الإصدارات الأخيرة.
  • تأخر التنظيم في إصدار البيانات التي يتبنى فيها مسؤوليته عن الهجمات التي يُنفذها.
  • المبالغة في الأسلوب وعدم الدقة في عرض المعلومة.
  • سقطات في الترجمة؛ خاصة في الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية.
    تبين المؤشرات السابقة تراجع آلة داعش الإعلامية؛ و تؤكد أيضًا أن التنظيم مستمر في توجيه دعوات الانضمام إليه، حتى لو جاء هذا الانضمام في صورة مناصرة على المواقع الإلكترونية أو قيام بأعمال إرهابية في محل إقامة تابعي التنظيم، وليس في صورة هجرة فعلية إلى مناطق التنظيم وأراضيه التي كان يسيطر عليها.
    مما لا شك فيه أن الحملات العسكرية التي استهدفت التنظيم وقياداته، خاصة بعد قتل الإرهابي أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم وقائده في عملية نوعية، إضافة إلى مقتل العديد من قيادات الصف الأول في التنظيم وفقدانه للأراضي التي كان يسيطر عليها في سورية والعراق، كل ذلك أدى إلى انخفاض التواجد الاعلامي للتنظيم وتراجع رسائله الترويجية وفقا للمتغيرات التي طرأت على الأرض من خلال الخسائر التي لحقت بالتنظيم وقياداته العسكرية والاعلامية.
    الصعوبات المالية: بعد استهداف المصادر الاقتصادية للتنظيم، وبخاصة أماكن إنتاج وبيع المنتجات النفطية. تراجعت الموجودات المالية للتنظيم الأمر الذي أثر أيضًا على الترسانة الإعلامية لداعش وتراجع الامكانيات الانتاجية الضخمة التي كان يتمتع بها سابقا.
    المكافحة الإلكترونية التي شنتها إدارات مواقع التواصل الاجتماعي “«فيسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب”؛ إضافة إلى هجمات القرصنة الإلكترونية لمواقع داعش والتي أدت إلى انخفاض استخدام التنظيم بشكل كبير لمواقع التواصل الاجتماعي، مما ساعد بشكل فعال في اضعاف الآلة الإعلامية للتنظيم؛ ففي أوائل العام 2016 أبلغت شركة “تويتر” عن تعليق 125 ألف حساب، معظمها تابع لداعش، وذلك خلال حملة شنتها الشركة بداية من النصف الثاني من العام 2015.
    وبعد 6 أشهر من تعليق الحسابات المشار إليها سابقًا؛ علقت “تويتر” 235 ألف حساب آخر، ونستطيع أن نقول إن الشركة علقت في الفترة ما بين تموز 2015 و تموز 2016، ما لا يقل عن 360 ألف حساب، وفي 20 تموز من العام 2017، أعلن “يوتيوب” أنه بدأ استخدام تقنية “Jigsaw” التي تعمل ضد التطرف والعنف والمضايقات عبر الإنترنت، والهجمات ضد حرية التعبير وغير ذلك، وتسمى هذه التقنية بـ”طريقة إعادة التوجيه” حيث تقوم على توجيه أي شخص يبحث عن مقاطع فيديو ذات محتوى متطرف إلى مقاطع الفيديو التي تواجه المتطرفين ولديها رسالة مضادة؛ فعندما يبحث أحد الأشخاص على “يوتيوب” عن كلمات رئيسة معينة، يُوجه المستخدم إلى قائمة من مقاطع الفيديو التي تتضمن محتوى يعارض التطرف.
    اضطرار الشخصيات الإعلامية الداعشية التي نجت من القتال إلى الفرار، والتخفي عن طريق تغيير أماكن تواجدها، أو اللجوء إلى الاختباء في أماكن منعزلة تنعدم فيها وسائل الاتصال، وهو أمر يختلف عما كانوا يتمتعون به سابقًا عندما كانت تتوفر لديهم وسائل ووسائط عمل دائمة من أجهزة ومعدات حديثة، بالإضافة إلى مصورين يعملون في مناطق الأحداث، وبالتالي لم يكونوا مجبرين على افتعال الصورة على الأرض بل كانوا يأخذون صورًا حية، كل هذا تسبب في ضعف البنية التحتية للترسانة الإعلامية الداعشية.
    أدى ضعف الدور الإعلامي لداعش، إلى:
  • انخفاض كمية ونوعية المنشورات التي يروجها التنظيم؛ فبحسب تقرير صادر عن المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي في العام 2017، للكاتب تشارلي وينتون؛ فإن تنظيم داعش أنتج في أيلول 2017 ثلث ما أنتجه في أب 2015.
  • تركيز الرسائل الدعائية للتنظيم على الخارج في محاولةٍ لتخفيف الضغط على عناصره في سورية والعراق.
    الانترنت عنصر رئيس في تنفيذ عمليات التنظيمات الإرهابية
    يفترض بعض الخبراء أنه لولا وجود الانترنت لما أقيم تنظيم داعش وانتشرت روايته حول العالم. إذ نجح التنظيم في مجال الجهاد الرقمي أكثر من أي تنظيم إرهابي آخر.
    اعتمد تنظيم داعش بشكل أساسي على الإنترنت كوسيلة للتجنيد، مما جعله مركزياً للهوية الكاملة للتنظيم الإرهابي، لدرجة أن التنظيم أطلق عليها اسم الخلافة الرقمية.
    أتاحت الطريقة التي أنشأها داعش لهيكله الإداري أن يصبح على درجة عالية من الكفاءة بالإضافة إلى إظهار إدراك مرتفع لفن الحكم. وامتد هذا إلى فرع مسؤول عن الإشراف على الإجراءات الرقمية لداعش التي يطلق عليها جيش داعش الإلكتروني. هذا الكيان عبارة عن مجموعة داخلية مخصصة للرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي والتسلل والحفاظ على الأمن الرقمي.
    آلية تجنيد عنصر لداعش (يعمل التنظيم على تحديد موقع العنصر المحتمل للتجنيد، ثم يحيط به عدد من أنصار التنظيم مع مداخلات هاتفية والكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، ويشجعوه على قطع علاقاته مع أهله وأصدقائه، بعد ذلك يقوم أنصار داعش بتحويل اتصالاتهم إلى منصات خاصة لاستكشاف الهدف والعثور على ثغرة أو فرصة تمكنهم من تجنيده أو أمره على تنفيذ عملية محددة).
    يوضح هذا أن داعش يتكون بالفعل من أجيال شابة قادرة على توليد تأثير دولي أعلى من حيث التوظيف الأجنبي. ونظرًا لأن داعش فقد مساحة كبيرة من منطقته، فقد يكون قادرًا على إعادة تجميع صفوفه في العالم الافتراضي.
    المنهج الشمولي في المكافحة 
    من خلال التعاون محليا ودولياً تكون عملية مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف رقميا جزءاً من برامج مكافحة الارهاب ومواجهة التطرف العنيف والتي يتم تنفيذها وفقًا لعدة محاور:
  • من خلال التواصل الدائم مع المختصين والممارسين في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف عبر الإنترنت والشبكات الرقمية.
  • تبني عدد من المبادرات المرتبطة بالمشاركة المجتمعية للتعامل مع الظاهرة، من خلال برامج التوعية المجتمعية بالأمن الوطني والنقاشات بين مختلف مكونات المجتمع لاستخلاص الدروس في عملية المكافحة وذلك بهدف رفع مستوى الوعي وتحديد المخاطر والوقوف على التحديات التي يمثلها الإرهاب والتطرف العنيف عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
  • التعاون والتنسيق بين أجهزة المخابرات والاستخبارات للدول وتعزيز الشراكة لمواجهة التهديدات المستمرة للإرهاب والتطرف العنيف والهجمات الالكترونية، وذلك من خلال العمل على معالجة الأنشطة والدعاية الإرهابية ووضع حلول رقمية استباقية.
  • التعاون والتنسيق بين شركات الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي للعمل على زيادة جهودها لمواجهة المحتوى الإرهابي، وذلك من خلال السعي لإزالة المضامين والحسابات والمحتوى الأكثر تطرفًا في أسرع وقت ممكن. 
  • تصميم ودعم المبادرات على المستوى المحلي واشراك المجتمع في عملية المكافحة، بحيث تصبح المعرفة وبناء الوعي هما الركيزة الأساسية لتطويق الظاهر ومحاصرتها.
  • تبادل الخبرات الدولية والفردية حول أفضل الممارسات في مجال الوقاية من الارهاب التطرف العنيف وإعادة التأهيل.
  • تعزيز دور الاعلام والمجتمع المدني في التعاطي مع قضايا الارهاب والتطرف العنيف.  
  • الندوات والدورات وورش العمل التي تُتيح عرض وجهات نظر مختلفة وتجارب بهدف صياغة سرديات وروايات بديلة للروايات التي تروجها التنظيمات الارهابية والمتطرفة.
  • ضرورة بناء وتعزيز التعاون والقدرات الدولية لمكافحة التطرف خاصة بعدما أصبحت الظاهرة معولمة وعابرة للحدود الجغرافية في ظل التطور التكنولوجي الرقمي.
  • الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، من خلال تنفيذ الأنشطة العامة بواسطة القطاع الخاص.
  • تُعد جميع منصات الوسائط الاجتماعية مثل Facebook و Instagram وTwitter وYouTube جزءًا من القطاع الخاص، وتشارك جميعها في مكافحة الإرهاب والتطرف على منصاتها المختلفة. ويمكن القول إن وسائل الإعلام الاجتماعية والتكنولوجيا الرقمية هما من أهم الصناعات التي تحتاج إلى التعاون والمشاركة في مكافحة الإرهاب والتطرف بسبب أن الدعاية الإرهابية غالباً ما تنتشر عبر منصات وسائل الإعلام الاجتماعية، ويمكن أن تساعد التكنولوجيا الرقمية في جعل ذلك ممكنًا من خلال تطوير عملهم في مكافحة الإرهاب والتطرف رقميا، والاستعانة بخبراء في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف.
    وأخيرا لا بد من التأكيد على مجموعة من النقاط، وهي:
  • هناك ارتباط وجودي يجمع التنظيمات الإرهابية بالوسائل التكنولوجية، يقف على رأسها الانترنت والتطبيقات الرقمية التي تعزز من تأثير الرواية الإرهابية المتطرفة.
  • تعزز ديناميكيات عمل مواقع التواصل الاجتماعي تأثير الرواية الإرهابية، إذ يقوم عمل هذه المنصات على تقريب الأفراد الحاملين لقيم ووجهات نظر متشابهة تقريبا.
  • الفروقات النسبية بين قوة وكفاءة التنظيمات الإرهابية يبينها طريقة استغلال واستعمال كل تنظيم للإنترنت، وإدراكه بفنيات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، والتطبيقات الرقمية.
  • تعمل التنظيمات الإرهابية بنهج لا مركزي (شبكي)، بينما تقوم الرواية الإرهابية على مبدأ مركزي بحت؛ ضمانا لعدم تشتت عناصر التنظيم، وتعزيز تأثير الرواية على عقول المتعاطفين وبالتالي تجنيدهم.
  • ضرورة البحث عن وسائل غير تقليدية (رقمية) في مكافحة الإرهاب، إذ لم تشفع الوسائل الأمنية الصلبة (الجيش والأجهزة الامنية المختلفة) وحدها على كبح جماح التنظيمات الإرهابية بشكل كامل على الأقل على مستوى حضوره الرقمي، لذلك يجب استغلال وسائل غير تقليدية يشترك فيها المجتمع المدني والشركات الخاصة.
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock