التمويل الإسلامي الأصغر

غسان الطالب* الاقتصاد الأردني یعتمد أساسا على المشاریع الصغیرة والمتوسطة معظمها قطاع خاص، إضافة إلى قطاع الخدمات، ما یعني أنها تسهم في أكثر من ثلثي قیمة الإنتاج المحلي، إضافة الى المساعدات الخارجیة وحوالات المغتربین. والیوم وقد كثر الحدیث عن جملة مصاعب تواجه الاقتصاد الأردني، في مقدمتها ارتفاع معدل البطالة وارتفاع المستوى العام للأسعار، وتراجع بعض القطاعات الاقتصادیة، أصبح من الضروري إعادة التفكیر بوسائل إنتاج تعید له حالة التوازن بعیدا عن وصفات صندوق النقد الدولي التي أرهقت القطاعات الاقتصادیة المختلفة وما تبعها من ارتفاع لمعدلات الأسعار. لذلك فالالتفات إلى مساهمة أوسع من الأفراد في العملیة الإنتاجیة أصبح ضرورة ملحة لتتمكن الأسرة من توفیر ولو بالحد الأدنى مستوى من الدخل یساعدها على تجاوز تحدیات ارتفاع معدلات الأسعار ثم توفیر فرص عمل ما أمكن للعاطلین عن العمل. لهذا، فإننا في مقالتنا هذه نوجه الاهتمام الى موضوع التمویل الأصغر لإحداث تنمیة اقتصادیة تسهم فیها شریحة واسعة من المجتمع، وعلى وجه الخصوص التمویل الإسلامي الأصغر. فعلى الرغم من أن هذا النوع من التمویل في أیامنا یعاني غیاب الاهتمام الرسمي والمصرفي بشكل عام لیس في الأردن فقط بل في البلدان العربیة والإسلامیة بشكل عام، فهو یواجه مجموعة من التحدیات أهمها؛ عدم القدرة على مواجهة مؤسسات الإقراض الكبرى والمتخصصة في وطننا العربي خاصة، وبعض المجتمعات الإسلامیة عامة، والتي لا ترغب -هذه المؤسسات- في تقدیم نموذج تمویل أصغر وفق أحكام الشریعة الإسلامیة وغیر مقتنعة بتحمل المخاطر التي تعد مرتفعة على أساس المشاركة أو المضاربة، علما أنها تمتلك أكثر من ثلثي محفظة التمویل الأصغر في الوطن العربي على وجه الخصوص وصاحبة نفوذ قوي في رسم القوانین والتشریعات التي تخدمها وترسخ هیمنتها وانفرادها في هذا النوع من التمویل بشقیه الفردي والجماعي. كما شهدنا منذ سنوات انتشارا وتوسعا لها اعتمادا على بعض الجهات المانحة والداعمة لهذه الصیغة من التمویل. التمویل الأصغر الإسلامي، في وضعه الحالي، لا یمثل أكثر من 05.0 % من مجموع التمویل الأصغر في الوطن العربي، علما أنه یمثل بدیلا مقبولا ذا أهمیة معتبرة من الفئات كافة غیر المستفیدة من التمویل الأصغر التقلیدي، وذلك لبحثها عن سبل التمویل الحلال لمشاریعها وفق الشریعة الإسلامیة، ویمكنها من توفیر القدرة المالیة لها، خاصة ذوي الدخل المحدود، والاستفادة من الخدمات المالیة غیر المتاحة لهم من مؤسسات التمویل التقلیدیة وذلك لتدني دخولهم، وبما یمكنهم من مواجهة الإنفاق المتصل بالتعلیم والصحة والغذاء، ودون ذلك فإن النتیجة بكل تأكید تنعكس على الاقتصاد الوطني من زیادة معدلات البطالة وعدم القدرة على الإنفاق لحاجاتهم الضروریة، ما یتسبب في زیادة الفقر والأمیة وتراجع التنمیة الاقتصادیة. الباحثون عن هذا النوع من التمویل هم عادة من الأسر والأشخاص ذوي الدخل المحدود ولیس لدیهم القدرة على الحصول على التمویل المطلوب من المؤسسات المالیة الكبرى المتخصصة بتقدیم التمویل، بسبب الشروط والضمانات التي یطلبونها وهم بالعادة یمتلكون أو یسعون لامتلاك مشاریع صغیرة أو منزلیة أو من صغار المزارعین أو بعض الأعمال الحرفیة وهكذا، أغلب تواجد هذه الفئة في المناطق النائیة والأریاف. بمعنى آخر، یوجد لدینا أشخاص لدیهم أفكار لنشاطات اقتصادیة، ولا یملكون المال الكافي لتنفیذ أفكارهم، فهنا یأتي الدور الذي یمكن أن تقوم به مؤسسات التمویل الأصغر، وبناء على هذه الأهمیة ولتطور سوق التمویل الأصغر في الأردن، صدر نظام شركات التمویل الأصغر للعام 2015، وعمل البنك المركزي الأردني على وضع جمیع الشركات المعنیة بتقدیم التمویل الأصغر تحت رقابته المباشرة اعتبارا من مطلع العام 2015، وهذا یؤشر على اهتمام البنك المركزي في ضمان الاستقرار المالي والنقدي، ما سیؤدي الى تشجیع التنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة في مفاصل الاقتصاد الوطني المختلفة. ومن هذا المنطلق، فإننا نرى أن الاهتمام بالتمویل الأصغر كونه یمثل قطاعا إضافیا للصناعة المصرفیة الإسلامیة ورافدا لها، یمكن أن یسهم بشكل ملحوظ في زیادة العائد المادي لمؤسساتنا المالیة الإسلامیة، كما ویحقق عائدا اجتماعیا للمجتمع یسهم في تخفیف ضغوط الفقر والبطالة وما یترتب علیهما من مشاكل اجتماعیة. *باحث ومتخصص في التمويل الإسلامياضافة اعلان