التمويل الإسلامي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لمواجهة أزمة كورونا

غسان الطالب*

من المعلوم أن الاقتصاد العربي والإسلامي يعتمد اساسا على المشروعات الصغيرة والمتوسطة معظمها قطاع خاص، إضافة إلى قطاع الخدمات، مما يعني انها تسهم في أكثر من ثلثي قيمة الإنتاج المحلي لمجتمعاتنا والتي تتصف بارتفاع لمعدلات البطالة وارتفاع المستوى العام للأسعار، وتراجع بعض القطاعات الاقتصادية ، التي لم تتعاف بعد من الأزمة المالية والاقتصادية منذ العام 2008 ، وفجأة وجدنا انفسنا أمام أزمة أكثر قسوة وأكثر حدية وهي أزمة فيروس كورونا التي اجتاحت العالم اجمع واودت بحياة مئات الآلاف من البشر وتسببت بإغلاق معظم القطاعات الاقتصادية مثل التجارة المحلية والخارجية وقطاع النقل والسياحة وإغلاق المطارات والمنافذ البرية والبحرية وهذا يعني أن المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة هي الأكثر تضررا محليا وعالميا نتيجة لتداعيات هذا الفيروس «covid 19» ، على الرغم من عدم المعرفة التامة بالخسائر الكاملة لهذه الأزمة التي تحملها الاقتصاد العالمي وتداعياتها على القطاعات المختلفة ، إلا أن هناك شبه اتفاق من قبل المحللين وعلماء الاقتصاد وعلماء الاجتماع أن هذه الأزمة هي الأشد والأكثر قسوة ، وأنها ستكون عميقة ان تطال كافة القطاعات الاقتصادية ولها آثار اجتماعية قاسية جدا وستكون طويلة الامد أكثر مما نتوقع ، ولكون معظم تلك المشروعات موضوع الحديث لا تمتلك ملاءة مالية عالية لتحمل تكاليف التوقف عن الانتاج، وتراجع مدخولاتها المادية خلال هذه الأزمة التي فاجأت الجميع وبدون مقدمات لأخذ الحيطة أو على الاقل للمحافظة على مخزون نقدي للحالات الطارئة،
وأمام هذا الوضع الذي اوجدته أزمة فيروس كورونا فانه أصبح من الضروري إعادة التفكير بوسائل انتاج تعيد حالة التوازن للاقتصاد العربي والإسلامي بشكل عام بعيدا عن وصفات صندوق النقد الدولي التي ارهقت القطاعات الاقتصادية المختلفة في بلداننا وما تبعها من ارتفاع لمعدلات الأسعار، لذلك فالالتفات إلى مساهمة أوسع من الأفراد في العملية الانتاجية أصبح ضرورة ملحة لتتمكن الأسر من توفير ولو بالحد الأدنى مستوى من الدخل يساعدها على تجاوز تحديات ارتفاع معدلات الأسعار ثم توفير فرص عمل ما امكن للعاطلين عن العمل والتخفيف من الآثار التي تسبب بها فيروس كورونا على هذه الاقتصادات، لهذا فاننا في مقالتنا هذه نوجه الاهتمام إلى موضوع التمويل الإسلامي لإحداث تنمية اقتصادية من خلال المصارف الإسلامية لتسهم ولو بالشكل الذي يمثل حضورا لهذه المصارف في التضامن الاجتماعي لمواجهة آثار هذه الجائحة والتخفيف من وطأتها على مجتمعاتنا،
وعلى العموم نجد ان فرصة التمويل الإسلامي والمتمثل بالمصارف الإسلامية، ومن منطلق المسؤولية الاجتماعية لهذه المصارف وعلى الرغم من غياب الاهتمام الرسمي والمصرفي بشكل عام في البلدان العربية والإسلامية بأهمية هذا القطاع، نجد ان عليها مسؤولية اخلاقية تجاه المجتمع كما اسلفنا، ولكونه أي التمويل الإسلامي يمثل بديلا مقبولا له أهمية معتبرة من الفئات كافة غير المستفيدة من التمويل الأصغر التقليدي، وذلك لبحثهم عن سبل التمويل الحلال لمشاريعهم وفق الشريعة الإسلامية، ويمكنهم من توفير القدرة المالية لهم خاصة ذوي الدخل المحدود منهم لتجاوز الآثار التي تسبب بها فيروس كورونا ومن هذا المنطلق، فإننا نرى أن الاهتمام بالتمويل الأصغر والتمويل المقدم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة حتى المتناهية الصغر ولكونه يمثل قطاعا إضافيا للصناعة المصرفية الإسلامية ورافدا لها ومرآة حقيقية لمسؤوليتها الاجتماعية ، يمكن أن يسهم بشكل ملحوظ في زيادة العائد المادي لمؤسساتنا المالية الإسلامية، كما ويحقق عائدا اجتماعيا للمجتمع يسهم في تخفيف ضغوط الفقر والبطالة وما يترتب عليهما من مشاكل اجتماعية وهو كذلك مسؤولية اخلاقية تجاه مجتمعاتها والوقوف معها للتصدي للازمة الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة التي تسبب بها هذا الفيروس.

اضافة اعلان

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي