التمويل الإسلامي وجدية التحديات

غسان الطالب*

تحدثت في مقالات سابقة عن جملة من التحديات التي تواجه الصناعة المصرفية الإسلامية ومنها التحدي الرقمي والتحول الذي يشهده الاقتصاد العالمي من تغيرات سريعة، إلا أن هذا التحدي لم يعد الوحيد الذي يواجه قطاع المصرفية الإسلامية، بل هناك العديد من التحديات التي علينا مواجهتها والتوقف عندها والتعامل معها بكل جدية حتى لا يؤدي ذلك الى خنق الصناعة المصرفية الإسلامية وإصابتها بنوع من الجمود.
وهذا يضعها أمام حالة من التحدي والتقدير الواقعي إلى ما سيؤول اليه الاقتصاد العالمي ونحن جزء منه، خاصة وما نراه اليوم من التوتر السياسي في بعض العلاقات الدولية وما ينتج عنه من فوضى في العديد من الدول وتدمير لإمكانياتها الاقتصادية، وهذا ما أردنا الإشارة له في حديثنا هذا لندرك حجم التحدي الذي تواجهه الصناعة المصرفية الإسلامية.
نحن أمام تحد حقيقي وجاد يتطلب منا الارتقاء بأداء هذا القطاع وتطوير كفاءته ليواجه أشكال التحديات كافة التي أصبحت حقيقة واقعة ولا مجال للتقليل من أهميتها أو تجاهلها، والتي إن استمرت بدون الالتفات الى متطلباته وحاجاته، فإننا وبكل تأكيد سنكون في وضع يحول دون تحقيق نمو معتدل ومتوازن كنا نطمح إلى الوصول إليه، خاصة مع حالة المنافسة الشديدة مع نظيره التقليدي الذي يسعى للحد من طموحه في كسب حصة أكبر من السوق المصرفية العالمية، وهنا لا بد لنا من التطرق لبعض من هذه التحديات وما نلمسه من مؤشرات تدق ناقوس الخطر، نستعرض هنا بعضا منها:

  • ما تزال هذه الصناعة تواجه العديد من التحديات يتمثل بعض منها في غياب بعض القوانين والتشريعات التي تراعي خصوصيتها وتنظم العلاقة مع البنوك المركزية بما يضمن مساهمة فاعلة وحقيقية لها في السياسات النقدية لبلدانها، ورغم النداءات المتكررة التي وجهت للبنوك المركزية في مراعاة خصوصية هذه المصارف والنظر الى النجاحات التي حققتها في خدمة اقتصادياتها الوطنية، إلا أنها ما تزال تعاني من جمود في العلاقة مع البنوك المركزية في بعض بلدان تواجدها عدا بعض الاستثناءات.
  • التلكؤ في مهمة توحيد المعايير لهذا القطاع، والتي طالبت بتوحيدها العديد من المؤتمرات واللقاءات، حتى لا يؤدي تشتت المعايير واختلافها الى حدوث تباطؤ في انتشار وتوسع هذه الصناعة ويحد من طموحها في زيادة حصتها من السوق المصرفي العالمي.
  • عدم التوصل الى قناعات مع جميع الاتجاهات الفكرية بأهمية وجود سوق مالية إسلامية تختص بالمنتجات المالية الإسلامية رغم وجود مقومات كافية لقيام مثل هذه السوق ورغم الانتشار الواسع الذي شهدته المصارف الإسلامية في الأعوام الأخيرة.
  • محاكاة المنتجات المالية التقليدية في الوقت الذي هي بحاجة لابتكار منتجات تحمل هويتها، ففي الواقع فإن الأدوات المالية الإسلامية المتبعة وُجدت كبديل للأدوات المالية التقليدية المعتمدة على معدل الفائدة، لكن حتى تكون قادرة على تغطية أوجه التمويل كافة في الاقتصادات الوطنية عليها عدم الاكتفاء بطرح البديل، بل يجب أن تبادر إلى وضع استراتيجية للابتكار وتطوير القائم لديها، لأن السعي لكسب المزيد من السوق المصرفية المحلية والعالمية يتطلب الاستمرار في البحث والابتكار لأدوات مالية جديدة، وهنا تكمن مسؤولية مراكز الأبحاث والدراسات المختصة بالتمويل الإسلامي والمنظرين لهذا القطاع، إضافة الى أصحاب القرار فيها.
    من هنا، ولتجنب أي انتكاسة، لا سمح الله، في مسيرة مؤسساتنا المالية والمصرفية الإسلامية، فلابد من مراجعة أداء هذا القطاع بشكل دوري ومستمر وتحديد جوانب القصور لديه حتى نتمكن من وضع سياسات لتطويره وتقدمه بالشكل الذي يحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي وُجد من أجلها، ويحافظ في الوقت نفسه على المكتسبات والمنجزات التي تم تحقيقها.
اضافة اعلان

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي