التوجيهي: السر النووي الأردني!

في بيتنا توجيهي ، فابنتي ميس في الثانوية العامة وحالة من الاستنفار معلنة منذ أشهر رغم أن مستواها الأكاديمي جيد، وزاد من حالة الرعب التي نعيشها الفوضى التي رافقت الامتحانات.اضافة اعلان
 ففي السلط حالة من العصيان المدني إثر قرار تم التراجع عنه بإلغاء الامتحانات ليومين بسبب ما قيل عن غش جماعي وفقدان السيطرة على قاعات الإمتحانات، وزاد الطين بلة قرار المعلمين بالإضراب حتى عن تصحيح امتحانات التوجيهي، وإعلان وزارة التربية حالة الطوارئ والبحث عن معلمين لتصحيح الامتحانات، وما رافق ذلك من إشاعات بأن المعلمين الذين طلب منهم التغطية على النقص عند الإضراب ليسوا متخصصين بالمواد وليسوا من معلمي الثانوية العامة، وفوق ذلك كله ما يتردد عن صعوبة الامتحانات وطولها وعدم كفاية الوقت.
بعد كل هذه الأحداث الدرامية تسألني ابنتي عن العداله الغائبة، كيف تعلم الوزارة بحالات الغش التي حدثت وتتراجع عن قراراتها تحت الضغط واشاعة الفوضى، وهل يستوي الذين يغشون عيني عينك، والملتزمون بالقواعد والأنظمة؟!
منذ عقود وقضية التوجيهي هم الناس، وفي كل عام يخرجون علينا بمقترحات لحل هذا "السر النووي" وحتى الآن لم يحدث شيء، ونسمع جعجعة ولا نرى طحناً.
عندما يجتاح التوجيهي الأردن تسمع مزايدات لا قيمة لها، ونوعا من "البروبجندا" مثل  نريد الحفاظ على سمعة التوجيهي الأردني.
كلام جميل؛ ولكنني أضحك في داخلي وأتساءل ما قيمة ذلك إذا كان الطلاب حتى الثانوية العامة لا يعرفون ماذا سيدرسون في الجامعات وبماذا هم مبدعون، وما أهمية هذا التشدد إذا كان الطالب الذي سيحصل على معدل 90% لا يستطيع أن يدرس ما يريد؟!
وأبعد من ذلك، إذا كان التوجيهي الأردني مايزال له اعتبار وينظر له بكل هذا التقدير، فما هو حال جامعاتنا التي أصبحت ساحات معارك، ولماذا لا يُخرج كل هذا التعب والتعليم الجامعي سوى أغلبية من الطلبة لا يعرفون شيئاً عن البحث العلمي والممارسة العملية، وتم حشو رؤوسهم بنظريات تقادمت ولا تفيدهم بسوق العمل.
والمحزن أكثر تجارة التعليم التي استشرت في المدارس والدروس الخصوصية التي وصلت لكل حي ومنزل وبأشكال متعددة ومختلفة، كل ذلك يحدث تحت سمع وبصر وزارة التربية وما نزال نتغنى بسمعة التوجيهي.
آن الأوان لإلغاء التوجيهي والدفع باتجاه اكتشاف إبداعات الطلبة في مراحل مبكرة من عمرهم حتى يذهبوا للجامعات، ليدرسوا ما يحبونه وما هو منتج ومفيد لمجتمعهم ومطلوب بسوق العمل.
آن الأوان لخطة إنقاذ للعملية التعليمية برمتها، فما كنا نتفاخر به في العالم العربي بدأ يذوي ويتراجع، وما أقوله ليس سراً، ويكفي أن ندقق في الظواهر التي انتشرت في المدارس والجامعات لنتيقن من ذلك، ويكفي أن نجري امتحان كفاءة لخريجي الجامعات لنعرف الوضع الكارثي الذي وصلنا إليه.
ربما يشعر المسؤولون في الدولة الأردنية بأنه لا داعي للقلق وأن في كلامي مبالغة، حين يقارنون واقع التعليم في الأردن مع بعض الدول العربية فيشعرون بنشوة المنتصر حيث إن الإنهيار هناك أعم وأشمل.
حين ينهار التعليم في بلد، فاقرأ على الدنيا السلام، فأول مقدمات النهوض والطريق للتنمية هو ازدهار التعليم والعملية التربوية، ولا أريد أن أطلب من الحكومة أن تبعث فريقاً من الخبراء لدراسة واقع البلدان التي أعطت الأولوية للتعليم على كل شيء، لأنني أعرف أنهم يعلمون وحتى لا تذهب الأموال هدراً وتعتبر فساداً.
الآن وقبل أن تضيع الفرصة علينا أن نبدأ بخطة طوارئ لمعالجة هذه الاختلالات، وأول ما نحتاجه أن نعيد الاعتبار لمهنة المعلم وكيف نحسن حياته المعيشية لنضمن عطاءه والاستثمار في أجيالنا القادمة، ويمكن أن نفعل ذلك، وهو ليس سحراً اذا خفضنا موازنة الإنفاق الأمني والعسكري.
ويعد جزءا من الحل أن نترك وزارة التربية بعيداً عن العبث حتى يستقر الجهاز التربوي، فخطة الإصلاح لاتمضي إذا غيرنا الوزير كل ستة شهور!