آخر الأخبارالغد الاردني

“التوجيهي” للمرة الخمسين.. سفينة ثيسوس.. هل غادر الشعراء من متردم؟!

بقلم: د. ذوقان عبيدات

لقد قيل: كل ما يجب أن يقال، وربما ما لا يجب أن يقال في التوجيهي! ولكنه صامد صمود الجبال، وليس كالعهن المنفوش!!
فهو كما قالوا لنا: هوية الوطن وشرفه وكرامته، ولذلك تم تجنيد الجميع له: (المعلمون، الأهالي ، والأمن، ولا تنسى كبار المسؤولين ، وزراء ، أمناء، بل رؤساء مجالس وزراء، وحشدوا خبراء الأمة من خبراء وغير الخبراء، شكلوا اللجان، وأدمجوا المجالس، وبقي التوجيهي أيضا كالطود ، فوق التعليم، وفوق التغيير! فما السر في ذلك)!
أولا: التوجيهي: المتغير الذي لا يتغير!
من المفروض أن التوجيهي خاضع بل تابع للتعليم، فالتقويم جزء من التعليم، وطالما أتحفنا خبراء غير خبراء بأن الامتحان نفسه عملية تعلم، وأن آخر جلسة في التعلم والتعليم هي جلسة امتحان! ومع ذلك غيروا استراتيجيات إعداد المعلمين، وبقي التوجيهي كما هو.
1 – غيروا المناهج والكتب المدرسية وفلسفتها مرارا وبقي التوجيهي كما هو.
2 – ادعوا أنهم انتقلوا من التلقين إلى التفكير” وهذا غير صحيح ، وبقي التوجيهي كما هو.
3 – قالوا: دخلنا عصر الرقمنة” وهذا غير دقيق” والتوجيهي لم يتغير.
في عصر التغير وثقافة التغيير يثور سؤال:
هل التوجيهي ثابت، جامد، خالد أم أن أحدا ما لم يستطع تغييره؟ أم أن أحدا ما لم يعرف كيف يتغير، أو كيف يضع امتحانا ناجحا هادئا!
للأمانة، بذلت جهود آخرها: خطة تنمية الموارد البشرية المعروفة بخطة “عويس” ، تلتها لجنة تطوير التوجيهي 2021 المعروفة بخطة” أبو قديس”!
وبالرغم من حسن نوايا: عويس- قديس، إلّا أن شيئا ما لم يتغير!
قد يقال: عويس فل- بلهجة اللبنانين، وكذلك قديس، قبل إتاحة الفرصة لهما برؤية نتاج مجهوداتهما!
راح قديس واستلم عويس، ولم تظهر بوادر تنفيذ حتى الآن!
في التفسير الأردني: الوزير الجديد ليس مهتما بمن قبله ولا بما فعل قبله! وهذا غير صحيح بالمجمل، فلو وجد عويس في تراث قديس ما يمكن تطبيقه لفعل! إذن: أين العلة!
ثانيا: لجنة أبو قديس
شكل أبو قديس لجنة مهيبة شكلا لتطوير التوجيهي من “خبراء، زعماء، مهيمنين، أصحاب صوت عال، وزراء، وبعض “فكة” مثلي وجر! وعملت اللجنة، وكعضو في اللجنة ترددت مرارا في الحديث عنها، فالمجالس أسرار، ويشهد الله أنني كنت نشازا في اللجنة، في مواجهة قوى بل تحالف متماسك لن أصفه؛ مراعاة لبروتوكولات المجالس، ولكن سأتحدث الآن بموضوعية بكل ما أوتيت من حذر! خاصة أن المحاكم مليئة بقضايا عن الكتابة والسوشال ميديا.
سأتحدث كمواطن :
1 – هل يفترض في لجنة تطوير التوجيهي أن تضم فنيين، أم مفكرين في فلسفة التربية؟
2 – هل يفترض في لجنة تطوير أن تضم من اشتهروا بالتفكير في التوجيهي، أم ممن لم يُعرف عن معظمهم أي جهد في هذا المجال؟ بل من كان منهم ذا خبرة فليرمني بحجر!
طبعًا: كما قلت (خبراء وزراء فنيون على راسي)! لكن أنا شخصيا لم أقرأ لهم جهدا ومعاناة! وربما لقصور مني! قرأت لكثيرين غيرهم طبعا!
من يتصدى لتطوير التوجيهي يمكن أن يكون صاحب فكر تربوي، وليس خبيرا في وضع السؤال وبنوك الأسئلة، واختبار الاستجابة للفقرة، والعلامات المعيارية والحوكمة وغيرها من المفاهيم التي يعرفها طلبة الإحصاء والقياس في مساق مقدمة في القياس!!
وسؤال آخر: هل يفترض بأي لجنة مناقشة ما يقلق المجتمع والطلبة والتعليم، أم مناقشة ما يقلق فنيا مثل العلامات المعيارية والكسور المئوية؟
هل يفترض بأي لجنة أن تربط فلسفة التقويم بفلسفة التدريس، أم بالفراغ؟
هل يجدر بأي لجنة أن تنظر لنسب الرسوب المرتفعة، أم لفنيات يمكن لواضع الأسئلة حلها!؟
على العموم، قدمت اللجنة تقريرًا وتم تسليمه من لجنة قديس إلى الوزير عويس!
ثالثا: العظمة والإحساس بالعظمة
من مصاحبات التوجيهي ما يقدمه لكبار المسؤولين من امتيازات: الظهور الإعلامي، المؤتمرات الصحفية، زيارات متلفزة للقاعات… إلخ. يذكر المجتمع أن أحد الوزراء كان يستمتع بالتلاعب بأعصاب الطلبة فيحدد موعدا للنتائج ويصدرها قبل الموعد بأسبوع! لكي يفاجئ الجمهور بطريقة مسرحية!
والأسئلة هنا:
من منكم يرى أن قلب المسؤول حساس جدا لدرجة أن يصطحب المصور أو التلفزيون لينقل لنا حنوه على أبنائه الطلبة كحنو المرضعات على الفطيم؟!
هل توفر زيارة المسؤول الأمن إلى الطلبة في نزالهم مع الأسئلة، أم يثير أو يشتت أو يقطع “حبل” حفظهم؟ وإلى متى سيبقى التوجيهي حدثا بارزا أشبه بزيارة ترامب لمنطقتنا مع فارق أنه يريد طمس فلسطين؟ فماذا نريد نحن؟ طمس عقول الطلبة؟!!
وحتى لا يغضب أحد، لا أقصد زيارات صغار المسؤولين من مديري تربية وغيرهم! لكني طالما تمنيت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتفقد الرعية بنفسه بسبب عدم وجود مخابرات لديه، وعدم وجود غرفة عمليات متصلة بكل قاعة، وعدم وجود آلاف رؤساء القاعات المحترفين!
وأقترح، ولن يسمع أحد سوى حسني عايش بإلغاء زيارات القاعات والمؤتمرات الصحفية والعشرة الأوائل وغيرها من المظاهر غير الإنسانية!
رابعا: الكل معا
ليس غرض هذه المقالة نقد قرار أو شخص أو لجنة، أحترم جدا قرار معالي “أبو قديس” ، يكفيه شرف المحاولة وتحريك الراكد مقدرا جهده، وهكذا تشكل اللجان في الأردن، وبالمناسبة هي أول لجنة تربوية مهمة خلت من رجال دين إذ ليس في التوجيهي حلال أو غيره!!
وأختم بما هو جدير بالعنوان:
التوجيهي وسفينة ثيسوس
تقول الأسطورة إن سفينة عبرت البحر وكانت ترمي بأحد قطعها في البحر وتضع مكانه قطعة جديدة مماثلة! بينما هناك من يتابع السفينة ويلتقط قطعها حتى استبدلت جميع القطع، وتمكن اللاقطون من بناء سفينة جديدة من جميع القطع الملقاة في البحر، لاحظوا: صار لدينا ثلاث سفن:
1 – السفينة الأصلية قبل أن تتفكك.
2 – السفينة الجديدة التي بنيت بقطع جديدة مشابهة لقطعها السابقة.
3 – السفينة التي أعيد بناؤها من قطع السفينة الأصلية.
وهكذا نحتار: ما هويّة السفينة؟
هل هي السفينة الأولى قبل تفكيكها؟
هل هي السفينة التي بُنيت بقطع جديدة؟
هل هي السفينة التي بُنيت من القطع القديمة للسفينة الأصلية؟
والسفن الثلاث بالشكل نفسه والهوية نفسها! وهكذا التوجيهي: شكل جديد بالقطع القديمة نفسها، أو شكل قديم بقطع جديدة!
ولتوضيح الفكرة: خمر عتيق في زجاجة جديدة!
فهل تبدل شيء؟!!

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock