"التوجيهي".. ليس عدلا السهولة أو الصعوبة

كالعادة، فإن ديدن الوزارات والمؤسسات الحكومية والقائمين عليها، أنهم ينتظرون وقوع مصيبة ما، أو مشكلة معينة، أو حدوث أزمة، قد تكون مصيرية، حتى يبدأوا بالنظر إلى أن هناك أخطاء أو عيوبا، ومن ثم يبدأ ماراثون البحث عن حلول مرتبطة بإجراءات وقرارات، يكتوي بنيرانها، دومًا، المواطن أولًا وأخيرًا. ففي مشكلة امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة (التوجيهي)، انتظرت وزارة التربية والتعليم، بكل القائمين عليها، كثيرًا، حتى أعلنت على لسان وزيرها، محمد أبو قديس، أن عملية تطوير امتحان الثانوية العامة ستبدأ بعد الامتحانات، والتي تنتهي في الخامس عشر من الشهر الحالي.. ولكي نكون منصفين، فيجب ألا نضع اللوم على وزير واحد أو اثنين أو ثلاثة، ممن استلموا حقيبة “التربية”.. فهذه مشكلة قائمة منذ أعوام عديدة. امتحانات “التوجيهي”، التي تُشبع نقدًا وتحليلًا، في مثل هذا الوقت من كل عام، تكون، بشكل عام، في صف الطالب، على حساب العملية التعليمية، والتي حتمًا ستؤثر مستقبلًا على الوطن، ومن قبله المواطن. منذ نعومة أظافرنا، علمنا بأن أسئلة الامتحانات بشكل عام، وخصوصًا امتحان “التوجيهي”، تُوضع وفق ثلاثة مستويات، عادية ومتوسطة وتلك التي تُسمى بأسئلة المهارات العُليا. المستوى الثالث من الأسئلة (الصعبة)، وُضعت لتمييز الطلبة المجتهدين والمتفوفين وتنقيحهم عن أقرانهم، بُغية الاستثمار فيهم.. وإلا فكيف سيتم تخريج نخبة مميزة، تكون في صفوف العلماء، بشتى المجالات والتخصصات، تخترع وتُجري أبحاثًا، تعود بالنفع على البشرية جمعاء. الأزمة الحقيقية، هي عدم قول الحقيقة، وعدم الخوف على الوطن، إذ كيف تتم المطالبة بأن تكون الأسئلة كلها سهلة، أو حسب مزاج الطالب أو الأهل، طبعًا ليس الجميع.. فليس عدلًا أن يكون هناك دعاة يطالبون بأن يتساوى الذكي والمجتهد مع الشخص المتوسط أو قليل الذكاء، أو حتى ذلك الذي لا يبذل مجهودًا يُذكر، في العلامات.. الأمر الذي يقود في النهاية إلى أن الطالب الذكي، الذي بذل مجهودًا مضاعفًا، وذلك الذي يكون قليل الذكاء أو غير “المبالي”، سيحصلان على نفس التخصص الجامعي، ومن ثم ستكون الآثار السلبية مستقبلًا، على العملية التعلمية والتحصيل العلمي والأكاديمي، وكذلك الوطن والمواطن. لستُ من دعاة “تصعيب” أو “تعقيد” أسئلة امتحان “التوجيهي”، لكن هل من المعقول أن يكون لدينا نحو 75 طالبًا وطالبة معدلاتهم في امتحان الثانوية العامة مائة في المائة، وما يقرب من الـ15 ألفا معدلاتهم تتجاوز الـ95 في المائة؟!.. ذلك يعني أنه بعد نحو ثمانية أعوام، سيكون لدينا حوالي مائة ألف عالم ومخترع ومبدع في أكثر من تخصص ومجال!.. وهذا ضرب من المستحيلات.. كما أنه ليس من العدل في شيء ألا يستطيع طالب حصد معدل 98 في المائة أن يحصل على معقد في تخصص الطب بإحدى الجامعات الرسمية. “بعبع” امتحان الثانوية العامة، هكذا ينظر كل الأردنيين إليه.. وللأمانة الموضوعية، فكما ليس من المعقول حصول الآلاف على معدلات مرتفعة، فإنه ليس من المنطق بشيء، أيضًا، أن يتم تحديد مصير الطالب خلال سبعة أيام، كما كان في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، أو 15 يومًا كما هو الوضع في الأيام الحالية. وعودة لكلام الوزير أبو قديس، حول تطوير امتحان “التوجيهي”، إذ يتم دراسة استحداث مركز وطني للقياس والتقويم يجري الامتحانات الوطنية، وقد لا تقتصر الامتحانات على عام فقد تكون على عامين أو ثلاثة في المرحلة الثانوية.. وإن الأردنيين يأملون ألا يكون هذا الكلام عبارة عن “ذر للرماد في العيون”، وكسب للوقت أو امتصاص غضب الطلبة والأهالي، وخصوصًا بعدما اعترفت “التربية” ومختصون بأن أسئلة مادة الفيزياء كانت صعبة جدًا والوقت المُخصص للامتحان غير كاف لحل الأسئلة. ثم هناك نقطة أساسية، كيف ستُجري “التربية” الامتحانات في الصف الأول والثاني ثانوي، فهذه العملية بحاجة إلى مصداقية وشفافية وكفاءة، وضبط وربط، حتى تكون هناك عدالة!. لمصلحة الوطن، والمواطن (الطالب)، يتوجب رفع سوية التعليم بشكل عام، كونه الأساس لنجاح الدولة وتقدمها وازدهارها.. إن القائمين على العملية التعلمية مطالبون الآن أكثر من أي وقت مضى بوضع خريطة طريق لإعادة هيبىة “التوجيهي”، كما كان، لكن بإجراءات واضحة وواقعية وشفافية وصادقة وعادلة، من شأنها تمييز الطلبة المبدعين، وتخفيف الضغط النفسي عن الطلبة بشكل عام وأولياء أمورهم.اضافة اعلان