الثرثرة عبءٌ نفسي يزعج الآخرين ويسبب المشكلات

الثرثرة في الغالب عبءٌ نفسي تكون من إنسان يعاني من عقدة النقص - (أرشيفية)
الثرثرة في الغالب عبءٌ نفسي تكون من إنسان يعاني من عقدة النقص - (أرشيفية)

 منى أبو صبح

عمان- يرى البعض أن الثرثرة من صفات المرأة، دون الرجل، إلا أن ما يشاهد يوميا من نماذج لرجال ثرثارين ينفي إلصاق هذه التهمة بالنساء فقط.

اضافة اعلان

وتؤكد الموظفة علياء الزعبي أن الرجل الثرثار يمتلك طاقة ونفَسا طويلا للكلام، يمثلان أضعاف ما تملكه المرأة الثرثارة.
وتقول "زميلي في العمل يعاني من داء الكلام طوال الوقت، فلا يريح لسانه أبدا، ولا يتوانى عن تقديم النصائح لجميع المحيطين به، بل ويعتبر نفسه موسوعة علمية، اجتماعية سياسية، رغم أن معظم معلوماته خاطئة".
وتضيف "يقحم نفسه في مشاكل جميع الموظفين بمناقشاتهم في أدقّ تفاصيلها. ويسرد قصص الأشخاص الآخرين دون الاكتراث بخصوصياتهم. فمنهم من ينصت لكلامه، لكن الغالبية يتذمرون منه، ويشعرون بالملل وينزعجون من وجوده بالقسم".
الثرثرة هي كثرة الكلام، وهي داء ومرض خطير يصيب الكثير من الناس، رجالا ونساءً على السواء. وفي الثرثرة خروج عن الحد المسموح به من الكلام، وعن ضوابطه أيضا. وهي تصيب الكثير من الناس، لدرجة أن هؤلاء لا يستطيعون العيش من دون ثرثرة. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول، "إذا تحدث أحدكم فليقل خيرا أو ليصمت"، وهذا دليل على خطورة الكلام غير المنضبط، وعلى ضرورة حفظ اللسان، لأن الكثير من المشاكل تنجم عن عدم ضبط اللسان.
وفي هذا يقول استشاري الاجتماع الأسري، مفيد سرحان "الأصل أن يكون الكلام بمقدار الحاجة، وبما لا يضر بالآخرين أو بسمعتهم، وأن لا يكون فيه إساءة أو تجريح، وأن لا يتحدث الإنسان إلا بما ينفع، وأن يقلل من المزاح، لأن كثرة المزاح قد تؤدي إلى مشكلات بين الناس، وكثرة الكلام كثيرا ما تكشف العيوب، وتزيد من إمكانية الوقوع في الخطأ. فكلما كثر الكلام زاد الخطأ".
ويضيف "بعض الناس تعودوا على الثرثرة وكثرة الكلام، لأنهم يجدون فيها لذة، وخصوصا عند الطعن في أراء الآخرين، أو النيل من سمعتهم وكرامتهم. وهذا مرض، لأن الشخص يظن أنه أفضل من الأشخاص الذين يتحدث عنهم. والأصل أن يراقب الإنسان كلامه ويزنه. ومن أسباب الثرثرة الفراغ، والكبر، والغرور.
وهناك وسائل يمكن أن تعين الإنسان على الابتعاد عن الثرثرة وكثرة الكلام، ومنها استثمار الوقت، وعدم إضاعته، ومحاسبة النفس، وعدم استماع الآخرين للمثرثر حتى لا يكونوا شركاءه في الآثام، ومشجعين له على الاستمرار في الثرثرة.
ويعتقد الزوج مازن الحلبي، من واقع معايشته لزوجته، أنها وجاراتها أكثر النساء ثرثرة، فمعظمهن تنحصر اهتماماتهن في تناول سيرة الجيران، وفي أمور اجتماعية وعائلية ومادية ضيقة.
ويضيف "قبل أن أخرج من المنزل تبدأ الجارات الواحدة تلو الأخرى في التوافد لغرفة المعيشة، وتلتقط أذناي المواضيع التي يطرحنها، كالحديث عن الطبخ، والموضة، والتسوق، والحديث عن الأزواج وغيرها من المواضيع "الدسمة" التي تغني الجلسة".
ناهيك عن الثرثرة المنتشرة هذه الأيام على مواقع التواصل الاجتماعي. في هذا الشأن يقول محمد فارس (24 عاما) "أعتقد بأن صديقي يعرف أكثر مني عن أصدقائي المقربين، حتى صار شغله الشاغل هو التعليق والدردشة التي لا تنتهي مع الآخرين، لا تكاد تمر صورة أو مقولة أو خبر إلا ويعلق عليها، بل ويتوسع في ذلك إلى أبعد مما يحق له في كثير من الأحيان. 
ويضيف "مع العلم أن لديه عمل، ويتطلب منه التركيز. أنا لست ضد التواصل ومعرفة الآخرين والاهتمام بهم، لكن ليس لدرجة اقتحام خصوصياتهم".
وبحكم خبرته في الحياة يقول الستيني أبو نائل "أنا شخصيا أشفِق على الشخص كثير الكلام. فالرجل الثرثار والمرأة الثرثارة يصبحان محل سخرية الجميع، ويتحاشاهما الناس كثيرا، لأنهما يبالغان في الحديث، ويقومان بإضاعة وقت ثمين هما في أمسّ الحاجة إليه، فخير لهما أن ينجزا عملا مفيدا من أن يضيعا وقتهما في كلام طويل عريض لا طائل من ورائه".
ويضيف "تقوية الوازع الديني عند الثرثار أو الثرثارة تسهم في تخفيف هذه العادة، لأن الدين يحث على الابتعاد عن النميمة، لأن الثرثار بالضرورة رجل نمام، تغذي الثرثرة النميمة عنده وتقوّي هوايته هذه".
يبين الاختصاصي النفسي، د. خليل أبو زناد، أن الثرثرة في الغالب عبءٌ نفسي تكون من إنسان يعاني من عقدة النقص، وهي مشكلة نفسية يحاول الثرثار إخفاءها أو إسقاطها على الآخرين من خلال كثرة الكلام.
ويقول "إن الأشخاص كثيري الثرثرة هم أكثر الناس إفشاءً للسر، بسبب حاجتهم لإثارة أي موضوع، لإخفاء عقدهم النفسية، من خلال كثرة التحدث للآخرين، وعن الآخرين".
ويضيف "إن لعوامل التربية والتنشئة نصيبا في بلورة سلوكيات الإنسان، فالشخص الثرثار لا يولد ثرثارا، لكنه يكتسب صفة الثرثرة من غيره عن طريق التقليد، ومنذ سن مبكرة أحيانا".
ويختم قائلا "يجب على  كل إنسان ثرثار أن يحاول بكل ما يملك من جهد الابتعاد عن الثرثرة، بالانصراف لإنجاز أشياء ذات قيمة تجعل منه إنسانا إيجابيا".
ويذكر سرحان بوصية لقمان لابنه "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب"، وهي وصية عظيمة. ومن أخطاء الثرثرة نشر الأسرار الزوجية والأسرية، وأسرار الأصدقاء، مما يترتب عليه حدوث المشكلات التي ربما تؤدي إلى الطلاق بين الزوجين، أو إلى قطيعة الرحم، وعدم التواصل بين الناس. والأصل أن يعوّد الآباء أبناءهم منذ الصغر على الابتعاد عن الثرثرة وعن التدخل فيما لا يعنيهم.

 [email protected]