الثقة هذه المرة

يبدأ ماراثون الخطابات النيابية ردا على بيان الثقة الذي تلاه رئيس الوزراء، عبدالله النسور، أمس. ولن تختلف الأمور من هذه الناحية؛ إذ سيخاطب النواب، كالعادة، قواعدهم الانتخابية، محاولين ضخ أكبر قدر من الحرارة والتأثير في خطابهم الانتقادي. وفي السابق، كان التسخين يصل مداه، حتى  ليبدو وكأن الحكومة ساقطة حتما أمام عاصفة الغضب النيابي، ثم تأتي نتيجة التصويت معاكسة تماماً؛ بثقة عالية تعطيها الأغلبية الساحقة من النواب، بمن في ذلك من كانوا أعلى صوتا في انتقاد أداء "الحكومات المتعاقبة"، ولا يحجب إلا من يحملون وجهة نظر سياسية مبدئية.اضافة اعلان
هل سيختلف الأمر هذه المرة؟
كان يفترض أن يكون المشهد مختلفا بصورة جوهرية مع أول حكومة يفترض أنها حكومة برلمانية، وأن تكون هناك أغلبية واضحة ومحددة لا تحتاج إلى تحزير حول فرص الحصول على الثقة وعدد الأصوات، لأن قاعدة الحكومة تحددت سلفا في المشاورات التي تقود إلى تبلور ائتلاف أغلبي من كتل نيابية ساهمت في تقرير الحكومة وبرنامجها، فيكون تصويت الثقة إجراء شكليا. إذ إن الرئيس المكلف لا يذهب إلى جلالة الملك إلا وقد أنجز تكوين الأغلبية الداعمة للحكومة قبل حلف اليمين، وهو ما لم يحصل؛ فقد ذهبت الحكومة لحلف اليمين والرئيس لا يدري من معه ومن عليه، وكم أرضى وكم أغضب. فحتى الذين نسّبوا باسم الرئيس في اللقاءات مع رئيس الديوان الملكي، ليس بالضرورة هم الآن مع الثقة، وقلة من النواب تطل برأسها خارج خندق التحفظ، فتعلن سلفا أنها مع الثقة أو الحجب.
اي إننا عمليا أمام نفس المشهد القديم من حيث علاقة النواب بالحكومة التي تشكلت للتو. مع فارق مهم، وهو أن الأغلبية التي كانت تتوفر سلفا لأي حكومة مهما كانت (بفعل طبيعة المجالس النيابية والهيمنة الخارجية عليها)، لم تعد متوفرة بنفس الطريقة القديمة؛ بل إن المعارضة، كما تبدو الآن، لحكومة النسور تأتي من قوى الشد العكسي المناهضة للإصلاح، أكثر مما تأتي من القوى الإصلاحية.
الموقف شديد الضبابية، والحكومة لا تستطيع الاتكاء على قاعدة واضحة؛ لا من "الموالاة" التقليدية ولا من المعارضة التقليدية. والرئيس وجد نفسه أمام مهمة إنشاء حكومة برلمانية لا تتوفر شروطها، وخرج بالصيغة التي رأيناها، فهل من وسيلة لإنقاذ الموقف؟
لا أعرف. لكن هناك مشروع مبادرة قد ترى النور، لوضع الأمور على السكة الصحيحة. وهي تقول التالي: أن الرئيس لم يشكل حكومته بالتفاهم مع أغلبية نيابية، ولم يصل إلى تفاهم محدد حول البرنامج، والآن وهو يعرض نفسه للثقة، يمكن إعادة العجلة ربع دورة إلى الوراء، بإعادة التفاهم على التشكيل والبرنامج ليصبحا مرضيين، فيكون قد بدأ التغيير المنشود في آلية تشكيل الحكومات، إضافة إلى آلية اختيار الرئيس. فهناك اعتراضات منطقية على التشكيل، منها مثلا وضع بضع وزارات رئيسة في يد وزير واحد. فإذا أمكن التفاهم على إعادة هيكلة الحكومة، وعدد من النقاط البرامجية، حينها يمكن للرئيس أن يحظى بأغلبية معقولة، تضم القوى الإصلاحية في المجلس.

[email protected]