الجامعات وأصل الداء

زمان كان الناس يرسلون أولادهم لجامعات دمشق وبيروت والقاهرة وبغداد، الذين ذهبوا لتلك المدن أمثال أحمد اللوزي وعلي محافظة ونايف القاضي وسامي قموه وعبدالسلام المجالي ومحمد السقاف وعبدالهادي المجالي وفايز صياغ وكامل أبو جابر وغيرهم كثر، شكلوا أجيال النخبة التي بنت النظام البيروقراطي في الدولة، وقسم منهم عمل بالفكر والثقافة والتعليم.

اضافة اعلان

بداية الستينيات نهضت الجامعة الأردنية ثم اليرموك وفي هاتيك الجامعتين ولد جيل آخر، جاء أبناء القرى من محافظات بعيدة، تعلموا من الغربة الداخلية وكانت لهم تجاربهم وهم اليوم قادة ومؤثرون في المجتمع.

يومها الجدل بين الطلاب دار حول أفكار كبرى، ومنهم صلاح جرار واحمد بطاح وعبد الله الدبوبي وخالد الكركي وفيصل الشوبكي واحمد الطراونة وعليا أبو تايه وآخرون لا يحصون، آنذاك خلت الجامعة من العشائرية والانتماء الضيق، وفي فترة لاحقة جاء جيل آخر حرك الجامعة وأوجد لها ثوبا طلابيا جديدا ومنهم ناهض حتر وموسى برهومة وسامية عويضة ومحمد طملية ووضاح خنفر وآخرون.

أعقب ذلك الحراك الطلابي في الاردنية حراك في جامعة اليرموك، وكانت الحالة مختلفة فقد بلغ جدل الأفكار ذروته، والصحبة كانت على أساس الحزب، لا العشيرة والخلاف كان ليس على اساس هذا مقعد من؟ بل على فكر عالمي، ومن هناك جاء رمضان الرواشدة وعماد حجاج ورمزي الخب وغسان مفاضلة وأسامة الرنتيسي وسامي الزبيدي واحمد أبو خليل وفهد خيطان وباسل رفايعة وسميح معايطة وهشال عضايلة وآخرون ممن رحلوا عن أهلهم وكونوا معرفتهم بعيدا عن الدائرة الضيقة وهي مسقط الرأس.

اليوم بعد أن كان الناس يفرحون بذهاب ابنهم لجامعة بعيدة، باعتبار أن ذلك يؤهله ليكون "أفنديا" صاروا يسعون لنقله أو قبوله "ليأكل مع إخوته"، لذا أصبح الطالب اليوم يتخرج من الثانوية لمدرسة اخرى اكبر قليلا يطلق عليها جامعة.

أزمة طلبة الجامعات ليست في الطلاب وحدهم، بل في اساتذة يغذون العصبية حتى في علامات الطلاب، وعمادات شؤون طلبة تحولت عن هدفها الفكري الثقافي إلى فرقة تعهدات أفراح، تأتي بالفرق لتغني في مناسبات مختلفة، وتنتهي تلك المناسبات بأعمال عنف سببها الصراع على مقعد، لكن ذلك جزء من الأزمة وليس سببها المباشر.

عنف الجامعات ليس وليد أزمة ثقافية، فهذا تشخيص لا يخلو من علة، لكن الحقيقة الموجعة ان الاستجابة لفتح جامعات في الاطراف بالرغم من كونه حدثا تنمويا لكنه نتيجة لرضوخه لمطالب أهالي الاطراف وأعيان المناطق جعل الجامعات في أزمة، فهل يعقل ان رئيس جامعة ما في الاطراف لا يقوى على دخول المدينة التي بها جامعته؟ لعل ذلك كاف لاستيعاب المشكلة.

سياسات القبول هي سبب الأسباب، لأنها تعتمد في جزء كبير منها على أساس مقر الولادة، لذا الحل يكون بإعادة النظر فيها، وتوزيع الطلبة بشكل منظم خارج مناطقهم لصقلهم أكثر، ولإنماء تجربتهم خارج إطار حدود القرية التي انتقلت معهم اليوم للجامعة وذلك هو أصل الداء.