الجرائم الإلكترونية وفوضى التشريع

اثنا عشر قانونا تنظم التعبير والأفعال عبر الفضاء الالكتروني في الأردن، بما في ذلك مسألة القدح والذم المنظمة بموجب عدة نصوص كلها تهدف إلى منع الاعتداء على كرامة وشرف الأشخاص بإيقاع العقاب على من يوجه السباب أو على من يحط من قدر الأشخاص وشرفهم واعتبارهم الاجتماعي، أشهر تلك القوانين قانون الجرائم الإلكترونية الذي أورد عقوبات جزائية على الذم، و أقدمها قانون العقوبات، والذي يعتبر بنصه الحالي كافيا، حيث أنه قد عاقب على فعل الذم والقدح والتحقير بأي وسيلة يقترف بها، وبما يشمل الوسائل الإلكترونية، ويذكر أن قانون العقوبات يعالج أيضا في نص المادة 150 منه خطاب الكراهية. خطاب الكراهية هو التزام دولي على الأردن، بموجب الإتفاقيات الدولية وأهمها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وقد بدأ التحرك الدولي لتجريم خطاب الكراهية مع بدايات القرن العشرين متأثرا بدوافع أوروبية لتجريم معاداة السامية، و تسارع مؤخرا في ظل صعود غير مسبوق للفكر المتطرف الديني والعرقي في جميع أنحاء العالم . معضلة العالم في تجريم خطاب الكراهية تكمن في كونه يشكل قيدا على حرية الرأي والتعبير التي يشكل احترامها التزاما دستورباً ودولياً أيضا، ولهذا فإن كافة جهود المشرعين في مجال القانون الدولي وايضا القوانين المحلية للدول اتجهت لوضع ضوابط لتجريم خطاب الكراهية، تتمثل في اعتبار القصد الجرمي وكذلك شخص موجه الخطاب وظروف توجيهه، كما اتجهت لوضع عقوبات مدنية حيث لا تلجأ الى عقوبة السجن الا في حالة وقوع خسائر بشرية نتيجة لخطاب الكراهية، ومن هنا جاء الانتقاد لمشروع القانون الذي قدمته حكومة الملقي لمجلس النواب وسحبته حكومة الرزاز، يوم قبل أمس. حسنا فعلت الحكومة في سحب القانون من مجلس النواب، وقد طورت - حسب البيان الصحفي الصادر عنها - في مسودة القانون من النواحي التالية : إن المشروع الجديد عرف خطاب الكراهية بشكل أكثر تحديدا من النص السابق فصار الخطاب المجرم هو الخطاب المقصود منه أو الذي ينتج عنه إثارة النعرات، ولهذا صار إثبات القصد أو إثبات حصول نتائج عملية على الأرض نتيجة لخطاب الكراهية متطلباً قانونياً للإدانة وإيقاع العقاب، فليس كل خطاب أو نقد ولو كان قارسا" لجماعة عرقية أو دينية يعتبر خطاباً مجرماً قانوناً، ولهذا فإن الدراسات الدينية المقارنة أو الدراسات والآراء حول سلوك الجماعات العرقية والدينية لا يعتبر خطاب كراهية بالضرورة. وعلى الرغم مما تقدم فلا زال تعريف الحكومة المقترح لخطاب الكراهية أقل من المعايير الدولية، بل إنه لم يصل الى اجتهاد القضاء الاردني الذي ركز على أن الخطاب يكون خطاب كراهية اذا شكل تحريضا وتأليبا، وكلمة تأليب تشكل حجر الرحى في مفهوم خطاب الكراهية بما تعنيه من تراكم لفعل التحريض على نحو يشيع الكراهية ضد جماعة على أسس دينية أو عرقية أو ما شابه، كما أن تحقيق الردع يكون عبر عقوبات تأخذ بعين الاعتبار مبدأ التناسب والفعل المرتكب، فأحيانا عقوبة الحبس لخطيب الكراهية قد تؤدي إلى إشاعة كراهيته بل وتؤلب عليه لما من عقوبة الحبس من أثر اجتماعي واقتصادي على الشخص وعائلته، إضافة لكونه إجراء يكلف دافعي الضرائب في الاردن حوالي ٧٠٠ دينار شهريا لكل نزيل في السجون، وبالتالي اثبتت الممارسات ان العقوبات البديلة أكثر نجاعة في منع انتشار خطاب الكراهية. بالعودة للذم والقدح، فقد خفضت الحكومة بمشروعها الجديد عقوبة الحبس لأقل من سنتين مما يعني عدم جواز التوقيف في هذه القضايا، وهو أمر جيد، فالتوقيف يشكل في بعض الحالات عقوبة مسبقة قبل المحاكمة، وهو فعلاً إجراء غير مبرر خاصة إن تبين براءة الموقوف عن التهم الموجهة له، والأهم من هذا أن التوجه العالمي يبتعد عن الحبس كعقوبة على جرائم الذم والقدح ويتجه للتعويض المدني عن الأضرار. هناك فوضى تشريعية في الاردن، وتشتت في النصوص على نحو يرهق القضاء والأصل في مناسبة طرح قانون جديد او تعديل أن يكون التوجه إلى تحقيق النسق التشريعي بين مختلف النصوص التي تعالج ذات الفعل، ومن منطلق أن حرية الرأي والتعبير هي الأولى بالرعاية، وأن تكون القيود عليها في حدود الضرورة، وفي نطاق تنظيم الحق وليس مصادرته، فاهم علي جنابك!!اضافة اعلان