الجرائم ... دراسة علمية

رغم كل الإزعاج الاجتماعي والإعلامي الذي سببته القصص الاجتماعية والخلافات وإطلاق النار وسقوط ضحايا وأعمال تصاحب غضب أهالي كل مقتول، رغم كل هذا إلا أن إصدار حكم قطعي بأننا في الأردن دخلنا مرحلة تعاظم غير طبيعي وانتشار كبير للعنف بين العشائر والعائلات وفي كل مجال أمر يحتاج إلى تدقيق.

اضافة اعلان

وربما علينا أن لا ننسى أن متابعة وسائل الإعلام من صحف ومواقع إخبارية لكل التفاصيل والتطورات ساعة بساعة شكل حالة من الشعور أن لدينا كميات كبيرة من العنف الاجتماعي يمثل نقطة تحول في مسار مجتمعنا الأردني، طبعا ما نقوله لا يعني تقليلا من شأن الأحداث والجرائم والقصص التي تابعها الجميع فهي أحداث مؤسفة وتحتاج إلى معالجة حازمة وعمل كبير، لكن السؤال هل لدينا نقلة كبيرة في عدد أعمال العنف الاجتماعي والقتل والعصبية أم أن ما يجري هو أحداث ضمن إطار الأرقام العادية مع مراعاة نمو السكان والتغييرات في بنية المجتمع ومنظومة قيمه؟!

والإجابة لا يمكن إصدارها بشكل عفوي وتلقائي سواء بالنفي أو الإيجاب، لكن الانطباع الذي تشكل مؤخرا في أوساط عديدة يشير إلى أن هناك تزايدا كبيرا، لكن تثبيت هذا الانطباع وتحويله من انطباع صنعته المتابعة الإعلامية إلى حقيقة وقناعة راسخة أو نفيه وتحويله إلى وهم يحتاج منا كدولة إلى وجود دراسة علمية مقارنة بين الفترات الزمنية المختلفة مع مراعاة تطور المجتمع في منظومة قيمه وعاداته واعداده، وهذه الدراسة لا بد أن تتم بشكل علمي وموضوعي وتشارك فيها جهات أمنية لديها المعلومات وجهات أكاديمية وأطراف اجتماعية، وكل جهة قادرة على إثراء الدراسة، وهنا لا نتحدث عن مؤتمر بل عن دراسة قد يكون مناسبا أن يبادر لها المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي ناقش قبل أسابيع قضايا العنف الاجتماعي، لكننا نحتاج إلى دراسة موثوقة تجعلنا نملك إجابة عن السؤال الكبير: هل هنالك تزايد كبير ويبعث على القتل في أعمال العنف الاجتماعي، وهل دخل المجتمع في مرحلة جديدة أم أن هنالك تضخيما في نفوسنا وانطباعات صنعتها عوامل مختلفة جعلتنا نشعر أن المجتمع الأردني لديه مسارات خطيرة في العنف.

فقبل أيام تحدث وزير الدولة للإعلام عن أن هناك تضخيما لحجم الجرائم يخدم أطرافا خارجية، وهذه وجهة نظر تحتاج إلى اختبار، تماما مثلما هي وجهة النظر التي تقول إن لدينا مشكلة اجتماعية، لأن امتلاك قناعة بناء على دراسات علمية جادة وموضوعية تقارن بين الأحداث والفترات الزمنية هي المنطلق الذي منه نتحرك نحو الخطوة التالية، وهو المنطلق الذي يحدد مسارات العمل الذي علينا جميعا أن نقوم به، لأن الاكتفاء بالتشخيص على قاعدة انطباعات متناقضة بين من يرى الأمور عادية ومن يراها ظاهرة خطيرة لا يقدم شيئا وبخاصة أن الإعلام قدم الكثير من وجهات النظر لأشخاص من أرضيات مختلفة.

وحتى لا يعتقد البعض أننا نهون من الأحداث التي جرت فإننا ندعو لدراسة علمية لامتلاك الوسائل الناجحة لإدارة الملف، لكن حتى لو خرجت الدراسة بأن الأمور ضمن السياق الطبيعي فإنها تحتاج إلى حلول حقيقية أهمها إعادة الاعتبار للقانون وأن تكون الدولة هي المرجع مع ضرورة أن يجد المظلوم في التشريعات عقوبات رادعة تنصره نفسيا وتردع من يفكر بتكرار الأخطاء.

ولا بد أيضا من الالتفات إلى منظومة القيم والأخلاق في المجتمع التي تقف وراء العديد من الظواهر لأن بعض التحولات السلوكية سببها تغير منظومة القيم .. وكل هذا نحتاجه حتى لو اتفقنا على أن ما يجري ليس خارج المعدلات الطبيعية.

[email protected]