الجزرة الإسرائيلية المتعفنة

معركة عض أصابع بدأت تظهر مع الاقتراب من الاستحقاق الفلسطيني في أيلول (سبتمبر) المقبل والذهاب إلى الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية في حدود ما قبل حرب حزيران (يونيو) 1967، حيث بدأت العروض الإسرائيلية تنهال من جديد على الجانب الفلسطيني الذي سيدفع الثمن غالياً إن تم إغواؤه بالفتات، وبقي الصوت المقرر لأصحاب الرهان فقط على خيار المفاوضات العبثية.اضافة اعلان
ففي اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني الأسبوع الماضي، ورغم وجود اتفاق عام حول الذهاب إلى الأمم المتحدة، ظهرت مواقف أخرى عملت جاهدة على تمييع الأمور من خلال الغوص في المسائل الإجرائية، أو بافتعال التعارض حول الأولوية المطلوبة بين التوجه نحو مجلس الأمن أو إلى الجمعية العامة. فيما عبرت مواقف أخرى عن رؤية تنطوي على استهانة كاملة بمثل هذا التوجه، بل إلى تعمد المبالغة بالنتائج السلبية من جراء فتح هذه المعركة السياسية.
بعض المداخلات في المجلس عبرت عن استمرار نهج الرهان على التفاوض، حيث إن أصحاب هذا الرأي ينظرون إلى مسعى التوجه نحو الأمم المتحدة كعامل مساعد على تحسين شروط المفاوضات ليس إلا، وهذا يؤدي إلى أن تتفق هذا الآراء بالنتيجة مع المعايير الأميركية التي تتحدث عن أن الدولة الفلسطينية وليدة العملية التفاوضية حصراً.
إن استمرار هذا النهج يستند أساساً على نظرة هؤلاء إلى واشنطن باعتبارها الراعي الحصري لعملية التسوية السياسية، في الوقت الذي يفتح فيه خيار التوجه نحو الأمم المتحدة إلى إلغاء هذه الوكالة الحصرية وإعادة الاعتبار للمجتمع الدولي وجميع قراراته ذات الصلة بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
هذه الميوعة السياسية للمراهنين على الخيار الأميركي شجعت الحكومة الإسرائيلية على الدخول في بازار جديد وتقديم جزرة للمفاوض الفلسطيني، حيث أبدت استعدادها للتفاوض مع الفلسطينيين في إطار حدود 1967، بشرط تراجع الفلسطينيين عن الذهاب للأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية في حدود ما قبل حرب حزيران (يونيو). وهذا الإعلان المتأخر الذي جاء مع اقتراب شهر أيلول  (سبتمبر) لا يتسم بالجدية والمصداقية، وهو جزء من تحركات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ توليه الحكم قبل عامين، حيث يمارس التكتيك لكسب الوقت وإحباط التحرك الفلسطيني في الأمم المتحدة قبل أن يتبلور على شكل مسودة يشارك العرب في صياغتها لتعرض على الهيئة الدولية.
لن ينجح نتنياهو في تضليل العالم بهذا العرض الدعائي "والجزرة المتعفنة". وهو إن كان صادقاً في هذا العرض، فلماذا لم يقدمه للسلطة الفلسطينية خلال الشهور التسعة التي انقضت على توقف المفاوضات إثر رفضه تجميد البناء الاستيطاني في الضفة الغربية؟
ما يريده الفلسطينيون ليس فقط هذه العروض المسرحية التي فات وقتها، وإنما هم يسعون لإنهاء الاحتلال وتصفية الظاهرة الاستيطانية من جذورها، وحتى الآن لم يقترب الموقف الرسمي الإسرائيلي، قليلاً أو كثيراً، من سقف المطالب الفلسطينية المستندة لمرجعيات وقرارات الشرعية الدولية نافذة المفعول.
لندقق جيداً، وبخاصة أصحاب نظرية المراهنة على خيار المفاوضات وحدها، إذ إنه استناداً لقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة العام 1947، والذي على أساسه أقيمت دولة إسرائيل، فإن الدولة العربية الفلسطينية التي نص القرار على إقامتها تعادل في مساحتها مساحة الدولة اليهودية، ويوضح ذلك المدى الذي وصل إليه الفلسطينيون من المرونة -ولا نقول التنازلات المريرة- حين قبلوا بأرض في حدود 22 % من فلسطين التاريخية لتقام عليها دولتهم التي طالما كافحت من أجل قيامها الأجيال الفلسطينية المتعاقبة منذ حوالي مائة عام.
ورغم كل هذه التنازلات التي تمت استجابة لإرادة المجتمع الدولي، فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وخصوصاً هذه الحكومة، تلاحق الفلسطينيين بمصادرة الأراضي وبناء مئات المستوطنات داخل هذه المساحة الضيقة التي يفترض أيضاً -ويا للعجب- أن تكفي المواطنين المقيمين عليها من جهة، ومن الجهة الأخرى أن تستوعب ملايين اللاجئين الذين تريد إسرائيل خلافاً لحق العودة الذي أقرته الأمم المتحدة أن يرجعوا، ولكن إلى الدولة الفلسطينية.