الجولان.. ترامب والانتخابات الإسرائيلية

تصريح دونالد ترامب، بأنه "حان الوقت للاعتراف بأن الجولان جزء من إسرائيل"، يصب كله في حملة بنيامين نتنياهو الانتخابية. فعلى الرغم من أن التصريح يعبّر عن موقف اليمين الاستيطاني الصهيوني، وعلاقته الوثيقة بإدارة دونالد ترامب، إلا أن توقيت هذا التصريح يؤكد الدعم المطلق للإدارة الأميركية لشخص بنيامين نتنياهو، بكونه يقود اليمين الاستيطاني التوسعي. وهذه ليست المرّة الأولى التي يهرع فيها ترامب لدعم نتنياهو.اضافة اعلان
من الصعب رؤية أن تصريح ترامب سيؤدي إلى زيادة الدعم القائم لنتنياهو في الشارع الإسرائيلي، كون أن موقف شبه الاجماع بين الأحزاب الصهيونية، يرفض الانسحاب من مرتفعات الجولان السوري المحتلة. إلا أن تصريح ترامب سيعزز مكانة نتنياهو في معسكره اليميني المتطرف، وفي حال ازدادت قوته البرلمانية، فإن هذا سيأتي على حساب الأحزاب الاستيطانية، الشريكة لنتنياهو في الائتلاف الحاكم.
وهذه ليست المرّة الأولى التي يهبّ فيها ترامب وفريقه لدعم نتنياهو، المعروف بعلاقته الوثيقة بالحزب الجمهوري، ودعمه لهذا الحزب في انتخابات 2012 و2016. فحينما صدر قرار ترامب بخصوص نقل سفارته من تل أبيب إلى القدس المحتلة، قيل حينها إن هذا مجرد تصريح سياسي، وأن النقل الفعلي سيستغرق سنوات، بناء على احتياجات لبناء السفارة، وغيرها من الأمور.
إلا أنه حينما صدرت توصية وحدة التحقيق في الشرطة الإسرائيلية، في شهر شباط (فبراير) 2018، بمحاكمة نتنياهو في قضيتي فساد، من أصل ثلاث قضايا، سارع البيت الأبيض بعد ذلك التصريح بأسبوعين، للإعلان عن أن نقل السفارة سيتم في منتصف أيار 2018، بمعنى في اليوم الذي يحيي فيه الفلسطينيون ذكرى النكبة.
والتصريح بشأن الجولان يأتي في فترة تراوح فيها قوة "الليكود" مكانها، حسب ما تظهره استطلاعات الرأي. وهذه نتيجة من المفترض أن تكون جيدة بالنسبة لنتنياهو، لأنه يحافظ على قوة حزبه، رغم صدور قرار مبدئي من النيابة والمستشار القضائي للحكومة، بمحاكمة نتنياهو في ثلاث قضايا فساد. ويضاف إلى هذا، أن القوة الاجمالية لائتلاف نتنياهو ما زالت تحافظ على الأغلبية المطلقة في الكنيست المقبل بعد الانتخابات.
المفارقة في "فزعة" ترامب لمساندة حليفه نتنياهو وحزبه الليكود، تأتي بعد 27 عاما، حينما أدى تصريح للرئيس الجمهوري جورج بوش الاب، إلى إضعاف حزب الليكود وزعيمه يتسحاق شمير، وبالتالي سقوطه عن الحكم، بسبب رفض شمير التقدم في مفاوضات السلام مع الدول العربية، من خلال مؤتمر مدريد.
وكان بوش الاب يومها قد رفض تقديم ضمانات لإسرائيل بقيمة 10 مليارات دولار، لصرفها على استيعاب المهاجرين اليهود في حينه. ففي تلك الأيام رأى الحزب الجمهوري، ولو نسبيا، أن حل القضية الفلسطينية وانهاء الاحتلال، محور أساسي في الاستقرار في المنطقة، والدفع نحو الانفراد.
أما اليوم، وبعد 27 سنة، فإن توجهات الحزب الجمهوري الحاكم باتت تحت سطوة اليمين الصهيوني الاستيطاني، وهذا رأيناه في كل الإجراءات ضد الشعب الفلسطيني التي اتخذها ترامب، على مدى أكثر من عامين، ليضاف له الآن الموقف من مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
من ناحية أخرى، فإن العلاقة القائمة بين نتنياهو والجناح المتشدد في الحزب الجمهوري، تقلق أوساطا إسرائيلية، وأيضا قيادات منظمات يهودية وصهيونية في الولايات المتحدة الأميركية، لإنها تأتي على حساب علاقة اللوبي الصهيوني وإسرائيل مع الحزب الديمقراطي. فعلى مدى سنوات تحذر هذه القيادات، من أن احتمال عودة الحزب الديمقراطي إلى الرئاسة الأميركية في انتخابات العام 2020، يبدو قويا جدا. وأن الحزب الديمقراطي سيتعامل بقبضة مع الحكومة الإسرائيلية، في حال كان نتنياهو أو حزبه في الحكم، حتى ذلك العام. ولكن هذه تبقى تقديرات، فتجربة السنين أكدت أن الموقف الجوهري في كلا الحزبين الأميركيين، يبقى داعما بشكل مطلق لإسرائيل وسياساتها.
وكلمة عن الجولان. في العام 1981 سنّت إسرائيل قانون ضم مرتفعات الجولان السوري المحتلة، إلى ما يسمى "السيادة الإسرائيلية"، وقررت "منح" السوريين الجنسية الكاملة، ولكن حسب التقديرات، فإن 85 % من السوريين في القرى الخمس الباقية في الجولان، رفضت هذه الهوية، ورفضت الاعتراف بالاحتلال. وتم فرض الحرمان الديني والاجتماعي على كل سوري يقبل بالهوية السورية.
بعد كل هذه السنين، وهذا الصمود، فإن قرار ترامب سيبقى حبرا على ورق، ولن يغير الحقيقة والحال، كما هو الحال بشأن القدس.