الجولان هنا

الجولان هنا
الجولان هنا

 اسرائيل هيوم

حامي شيلو - 16/4/2010

اضافة اعلان

 يملك حزب الله الآن 44 ألف صاروخ حتى قبل أن تستعمل المنظمة صواريخ سكاد التي كشف عنها هذا الأسبوع، وفيها مئات وربما آلاف من الصواريخ التي تستطيع أن تصيب تل أبيب ورمات غان ونتانيا وريشون ليتسيون. يشعر إسرائيليون اليوم بـ "مقدمة العاصفة"، ويعلمون أن هذه الصواريخ، مثل مسدس "انطون نشيخوف"، ستطلق بيقين من قواعدها حينما يحين الوقت، وهم يدركون - لكنهم يكبتون ذلك - أن إسرائيل بعد هجوم كهذا على عمق عمقها ستكون دولة مختلفة تماما.

رئيس سورية بشار الأسد يحذرنا منذ أشهر طويلة مما سيحدث، في واقع الأمر وبحديث مباشر صريح. فمن جهة يتحدى الأسد ويمكن بحسب التقارير الصحافية من نقل وسائل "تخل بالتوازن" هي بمنزلة "المحظور" إلى حزب الله في لبنان، ومن جهة ثانية يكشف عن حس سخرية تاريخية ويتبنى أحيانا حرفيا تحذيرات رئيس مصر أنور السادات التي تجاهلناها آنذاك.

قد لا يكون عجبا أن صيغت تصريحات الأسد في الرابع والعشرين من آذار (مارس) العام 2010 في مقابلة صحافية مع محطة تلفاز "المنار"، كصدى مقلق للغة التي استعملها السادات في صيف العام 1971 قبل نشوب حرب يوم الغفران بسنتين. "نحن في وضع لا حرب ولا سلام، وهو وضع مؤقت سينتهي إما إلى السلام وإما إلى الحرب"، قال الأسد في تصريح لم يحظ ولو بعنوان رئيس واحد في إسرائيل. أما السادات فقد أعلن في خطبة خطبها في الثالث والعشرين من تموز (يوليو) العام 1971 احتفالا بثورة الضباط الأحرار - بعد أقل من يوم من إعلانه "سنة الحسم" في العلاقة بإسرائيل - أننا "لن نوافق على وضع لا سلام ولا حرب، لأن معنى ذلك أن تحتفظ إسرائيل بالأراضي العربية إلى الأبد".

ويجب أن نتذكر أن كليهما، الأسد الشاب والسادات، أتى بعد "عظماء الجيل" في سورية ومصر - جمال عبدالناصر في القاهرة وحافظ الأسد في دمشق - وتولى كلاهما الحكم خلافا للتوقعات وبالصدفة فقط، وملنا إلى الاستهانة بهما منذ اللحظة الأولى: بالأسد لكونه طبيب عيون، وهاويا سياسيا وبلا قوة حضور، وبالسادات لكونه، بحسب الحكايات، قرويا ومحبا للنازيين.

وعندما اقترح كلاهما من جهة التوصل إلى اتفاق سلام على أساس انسحاب إسرائيلي إلى حدود العام 1967، رفضناهما باحتقار لأننا فضلنا آنذاك شرم الشيخ بلا سلام، ويوجهنا التوجه نفسه نحو هضبة الجولان اليوم. وعندما هدد السادات بالتضحية بمليون جندي، استهان بذلك رئيس الأركان آنذاك دافيد اليعزر، في مطلع العام 1973 بقوله إن مصر "لا أمل لها في إنجاز عسكري ما" أما وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان فقد تنبأ قبل نحو من شهرين، بأن نتيجة الحرب مع سورية ستكون خسارة حكم عائلة الأسد. وكما قال موظف إسرائيلي رفيع المستوى لوكالة الأنباء يو.بي.آي في الرابع من كانون الثاني (يناير) العام 1972: "قد تقنع هزيمة أخرى العرب بأنهم لن يستطيعوا إملاء شروط علينا".

الشعب مع الجولان

صحيح أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو صرح عشية الانتخابات عندما أتى ليغرس أشجارا عن أن "هضبة الجولان ستكون إسرائيلية إلى الأبد، وأنها ذخر استراتيجي وأنه يجب على إسرائيل الحفاظ عليها لتدافع عن نفسها وعن مواطنيها" - لكنه في الحصيلة العامة يعبر بذلك عن توجه أكثر رفاقه في الائتلاف، وعن تصور أكثر أعضاء الكنيست، وعن الرأي العام الدائم في إسرائيل وعن الاتفاق الوطني الشامل الذي يكاد يبلغ بحسب استطلاعات الرأي الإجماع.

لا ينبغي أن ننسى أن وزير الحرب إيهود باراك، الذي هو اليوم المؤيد الرئيس في الحكومة للتقدم السياسي مع سورية، أحجم في آخر دقيقة في شيبرد تاون، في كانون الثاني (يناير) العام 2000، عندما استجاب حافظ الأسد المريض لجميع مطالب إسرائيل حتى في الشؤون الأمنية، وحتى في قضايا الماء وقضايا التطبيع. استقر رأي باراك آنذاك على اللعب بالزمن الذي لم يبق منه الكثير للأسد المحتضر - على حسب شهادة مارتن إندك - بسبب استطلاعات للرأي العام تنبأت بمعارضة شعبية كاسحة لوجود السوريين في طبرية. وكل ذلك قبل خيبة كامب ديفيد وخيبة الانسحاب من لبنان وجراح العمليات الانتحارية وخيبة الأمل من الانفصال عن غزة، التي أبقت تأييد السلام بلا فرق عسكرية وثورة الاتفاق مع مصر كذكرى غامضة فقط.

وينبغي ألا ننسى أن هضبة الجولان في السنوات الثلاث والأربعين التي سيطرنا عليها فيها قد أصبحت من إسرائيل أكثر من إسرائيل نفسها، وقد أصبحت ما يشبه صيغة مثالية من إسرائيل كما نريد أن تكون، بلا فلسطينيين وبلا انتفاضات لكن مع مناظر خلابة ونبيذ شهي وسكان ودودين، مع خيول وتماسيح وتزلج في جبل الشيخ. في هذه الظروف، يسهل الاقتناع بأنه لا يوجد من يمكن أن نتحدث إليه ولا يوجد ما نتحدث فيه ولا داعي لذلك أيضا لأن وضعنا - كما قالت غولدا مائير وقادة الجهاز في الأسابيع التي سبقت السادس من تشرين الأول (أكتوبر) العام 1973 - لم يكن قط أفضل مما هو اليوم.

ومع ذلك كله، يؤمن وزير الحرب ورئيس الأركان ورئيس أمان بأن الأسد يريد إحراز سلام كامل مقابل انسحاب كامل، وينسب الثلاثة أهمية استراتيجية عليا لتسوية تبعد خطر الحرب الشاملة، وتدق إسفينا بين دمشق وطهران، وتضعف حماس وحزب الله، وتقوي المعتدلين في العالم العربي. بل ربما تنهي حالة الطريق المسدود مع الفلسطينيين.

ولربما يجب أن نذكر السياسي القلق، مع جميع التغييرات الواجبة، بأن 64 في المائة من الجمهور عارضوا الانسحاب من سيناء عشية الاتفاق مع مصر، قياسا بـ 68 في المائة أيدوا ذلك بعد التوقيع على الفور.

عشية يوم الذكرى، لا يعفى أحد من محاسبة النفس حتى أولئك الذين سيبقى رأيهم صلبا. لأن التسوية المرحلية التي وقع عليها اسحاق رابين في تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1975 شابهت على نحو عجيب الاتفاق الجزئي الذي اقترحه السادات في شباط (فبراير) العام 1971، ولم يكن اتفاق سلام مناحيم بيغن في العام 1979 مختلفا اختلافا جوهريا عن التسوية الشاملة التي اقترحها السادات قبل ذلك بثماني سنين، بيد أنه في تلك الفترة قتل 2656 جنديا، كثير منهم من أبناء جيلي الذين كانوا جواهر التاج وواسطة العقد. التاريخ لا يتكرر أبدا في الحقيقة لكنه لا يوجد اليوم شيء يخيف أكثر من إمكان أن يكون الأسد مثل السادات قبل على حق في تشخيصه أن "الإسرائيليين لا يفهمون سوى القوة"، أو أن حكمة إسرائيل، للأسف الشديد تكون متأخرة دائما.