الحاضر المستقبل: تصوير هشاشة الواقع عبر قراءة فناجين القهوة

مشهد من "الحاضر المستقبل" - (أرشيفية)
مشهد من "الحاضر المستقبل" - (أرشيفية)

إسراء الردايدة

عمان - "الحاضر المستقبل" لمخرجته بيلمين سويليمين، فيلم حزين وسط شاعرية تتمرغ في أوجه عدم اليقين الخاصة بالعمل كله من خلال بطلة الفيلم "مينا".اضافة اعلان
وجاء العرض في اختتام فعاليات أيام الفيلم التركي في عمان، بعد ثلاثة عروض تتمحور حول التغيرات الاجتماعية في تركيا من خلال موجة المخرجين الجدد وتيار السينما الجديد، مفعما بالحيوية والواقعية وبلمسة شاعرية.
وتدور أحداث "الحاضر المستقبل" حول مينا التي تحاول الهجرة لأميركا بالتزامن مع عملها كقارئة فنجان في أحد المقاهي في تركيا، ومحاولتها في الحصول على فيزا وسط الإجراءات البيروقراطية الضرورية للازمة لهذه الرحلة.
ماضي مينا مرتبط بحاضرها ومستقبلها، ولكن أيا من هذه التفاصيل لم يكن واضحا أو محدد المعالم ماعدا اعترافها بأنها كانت متزوجة، فيما سردية التفاصيل الباقية تبقى فراغات واحتمالات مفتوحة للخيال وسط إيقاع الفيلم البطيء الذي يتركز على التفاصيل الدقيقة والمحيط وفصل الشتاء.
ففصل الشتاء يعكس جانبا من برودة ووحدة مينا التي تبدو شاردة الذهن، ولكنها تفكر بمستقبلها في أميركا، فيما تنسج خيوط توقعات كاذبة من خلال قراءتها لفناجين الزبائن وهي تخبرهم بحظهم وسط خطوط القهوة الجافة التي تلون الفنجان بعد قلبه وكل منهم يتطلع لمعرفة طالعه.
ومع أجواء الفيلم الحزينة التي ترتبط بقراءة الطالع تأتي مشكلة المبنى الذي تعيش فيه مينا وحيدة في شقة ومعرضة للطرد بين لحظة وأخرى، إذ سيتم تحويله لفندق حديث، لتعكس نفسيتها وحالتها وشرودها للهرب من واقعها بحلم الهجرة وربما هو حال الكثير من الشباب في تركيا.
أما شوارع اسطنبول فتلعب دورا كبيرا في معاصرة التغييرات التي تمر بها شخصية مينا، خصوصا من خلال حركة الشوارع والناس، والتي ترتبط بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع ككل ربما.
فتيات مثل مينا بنفس المهنة يحملن أحلاما تتضارب مع الحاضر والمستقبل، ولكل منهما طريقة حالمة وعواطف وآمال وخيبات يتقاسمنها مع زبائنهن من خلال قراءة الطالع وإلقاء ظلال تجاربهن الشخصية معهم.
ومن خلال قراءة الفنجان يلمس المشاهد تلك السذاجة واليأس وشدة الرغبة بالتمسك ببارقة أمل لتجلب هذه الأحلام للواقع واستعداد الزبائن للدفع لسماع أي شي يرتبط بأعماق مشاعرهم ويفي بحاجتهم ولو كانت كذبة.
أما شخصية مينا فهي ترسم كل تلك الأجواء بملامحها الحزينة الدافئة والهدوء الذي يعكس برودة الشتاء وبحثها عن القبول والحب والرغبة بالسيطرة على حياتها الخاصة ووحدتها، وبنفس الوقت تعكس التغييرات المعاصرة في المجتمع التركي ورفض المرأة لواقعها وسعيها للتغيير والهجرة وظهور جيل جديد لصناع الأفلام في تركيا. ويبدو الفيلم وكأنه يدور من خارج نافذة مطبخ مينا التي تطل منها كل صباح كنافذة للحياة وسط مرئيات مقنعة تجعل الرحلة جديرة بالاهتمام والاستمتاع بلقطات جميلة لمحيط المدينة الباردة، والتي تدور في ركود بطيء مرتبط بتلك الاخفاقات التي نمر بها.
وكان الفيلم قد نال الفيلم جائزة أفضل ممثلة في مهرجان أنقرة السينمائي الدولي ومهرجان اسطنبول السينمائي الدولي ومهرجان فرانكفورت السينمائي التركي.
كما حاز جائزة المخرجين الجدد في مهرجان سان فرانسيسكو السينمائي الدولي وثلاث جوائز في مهرجان جولدن بول- أضنة للأفلام. إلى ذلك، شارك الفيلم في العديد من المهرجانات السينمائية الدولية في القاهرة ولندن وتورينو وسراييفو ومونتيفيديو وغيره.

[email protected]

Israalradaydeh@