الحبر الأعظم والإمام الأكبر في أبو ظبي

يزور رئيس الكنيسة الكاثوليكية (الفاتيكان) قداسة البابا فرانسيس دولة الإمارات العربية المتحدة في الفترة من 3 – 5 شباط (فبراير) 2019 وسوف يلتقي في زيارته كبار مسؤولي دولة الإمارات ومجلس حكماء المسلمين، ويزور كاتدرائية أبو ظبي، كما سيحتفل الحبر الأعظم بالقداس الإلهي في مدينة زايد الرياضية، حيث يتوقع أن تتجمع أعداد كبيرة من المسيحيين للمشاركة في القداس. وتترافق زيارة البابا أيضا مع زيارة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين الشيخ أحمد الطيب.اضافة اعلان
تعتبر زيارة البابا إلى أبو ظبي هي الزيارة الأولى من نوعها في منطقة الجزيرة والخليج العربي، وتمثل بالتأكيد انسجاما مع التوجه الإماراتي لإحلال التسامح والسلام العالميين، حيث يعيش في دولة الإمارات اليوم مواطنون ينتمون إلى مائتي جنسية، وهو رقم يفوق عدد الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، ويمثلون بالطبع جميع أديان العالم، وقد خصصت دولة الإمارات العام 2019 عاما للتسامح، على النحو الذي يؤكد قيمة التسامح ويعدل التشريعات والسياسات بما يخدم ترسيخ قيم التسامح والحوار وتقبل الآخر والانفتاح على الثقافات المختلفة. كما أعلنت في العام 2016 تأسيس أول وزارة للتسامح في العالم، وأصدرت قانون مكافحة التمييز والكراهية الذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان. ولا بد أن العدد الكبير للسياح في أبو ظبي يعكس حالة الشعور بالثقة والأمان والتسامح إضافة بالطبع إلى الطقس الجميل في مثل هذا الوقت من العام والمرافق السياحية المتقدمة.
ويترافق مع زيارة البابا إلى أبو ظبي عقد مؤتمر عالمي للأخوة الإنسانية يشارك فيه المئات من المرجعيات والقيادات الدينية والفكرية من جميع الأمم والأديان، إيمانا بقدرة الأديان وأتباعها وقادتها على ترسيخ السلام والعيش المشترك بين جميع الأمم، إذ تزيد اليوم أكثر من قبل أهمية التسامح والتقبل بين الأفراد والمجتمعات والأمم في ظل عولمة تتداخل فيها المصالح والاعتمادات المتبادلة بين جميع دول العالم، كما تصعد في ظل حالة عدم اليقين السائدة في العالم بسبب التحولات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى المصاحبة للشبكية والثورة الصناعية الرابعة الثقافات الكبرى والفرعية والشعور بالخوف على المصائر والمصالح، وفي مواجهة ذلك تصعد أو يجب أن تصعد قيم الثقة والتسامح والتقبل.
لقد تعرض العالم في العقدين الأخيرين إلى موجة من العنف المنتسب إلى الدين، وفي الوقت الذي توقفت الحروب بين الدول صعدت صراعات أهلية وداخلية عنيفة ومدمرة، وكان المسلمون يمثلون معظم ضحايا العنف والإرهاب، وإن كانت أعمال العنف أيضا ينتسب عدد كبير من مرتكبيها إلى الإسلام، وحدثت أعمال عنف جماعية كبيرة ومدمرة على أساس الدين كما في البلقان وبورما وأفريقيا، وتعرضت مدن ومؤسسات كثيرة حول العالم الى الإرهاب، وكان التطرف الديني والكراهية على أساس الدين المحرك الأساسي لهذا العنف.
اليوم يتشكل اتجاه جديد ومؤثر مفاده أن مواجهة العنف والكراهية بين الأمم والمذاهب والمجتمعات يكون بترسيخ قيم التسامح والازدهار والثقة، ذلك أن الكراهية والتطرف والعنف ليست مجرد نزعة فردية أو اتجاه فكري أو ثقافي أو ديني، لكنها تنشأ في بيئة من الخوف والقلق والفقر وفقدان الموارد والشعور بالتهديد والخطر، ولا يمكن مطالبة الناس بالتخلي عن الأوهام والأفكار والمشاعر والاعتقادات الخاطئة والخطيرة من غير تغيير الظروف والبيئة التي أنشأت هذه القسوة، وهكذا أيضا فإننا ننظر إلى زيارة قداسة البابا ولقائه بمسؤولي دولة الإمارات العربية المتحدة وشيخ الأزهر ومجلس حكماء المسلمين كما المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية كأعمال تؤسس للسلام العالمي ومواجهة الكراهية والتطرف.