الحديث عن إعادة بناء سورية وهم

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

ستيفن ستار* - (ذا أراب ويكلي) 29/7/2018

يبدو الافتراض الشائع بأن إيران وروسيا والأصدقاء الآخرون للنظام السوري يستعدون لجني ثروة من إعادة بناء البلد الذي مزقته الحرب، غير دقيق في أفضل الأحوال.

اضافة اعلان

ومع استعداد حكومة الرئيس السوري بشار الأسد لاستعادة ما تبقى من أجزء البلد التي لا تسيطر عليها الفصائل الكردية، كان هناك الكثير من الحديث عن المبالغ الهائلة التي ستُنفق -وتُجنى- من إعادة إعمار مئات البلدات والمدن السورية التي دُمرت في القتال. ويجري الحديث عن مبالغ لإعادة الإعمار، والتي تتراوح بين 250 و400 مليار دولار، بل وحتى ترليون دولار.

وفي هذا السياق، ظهرت الكثير من عناوين الأخبار التي تتحدث عن الشركات الروسية والصينية والإيرانية التي تتحفز وتدرس آفاق كسب الملايين من بناء كتل الشقق السكنية الجديدة اللامعة في شرق حلب، والفنادق الدولية المترفة في دمشق.

سوى أن هناك مشكلة واحدة: إن هذه الأبراج والفنادق لن تُبنى أبداً.

كان الأسد قد استعاد السيطرة على حمص، ثالث كبريات المدن السورية، منذ أربع سنوات، وهو ما يوفر نافذة لإطلالة على الكيفية التي ربما تكون عليها جهود إعادة البناء على مستوى الدولة. فكيف سارت جهود إعادة الإعمار هناك؟

بعيداً عن بعض الجهود التي يمولها القطاع الخاص لإعادة بناء الكنائس، وما يدفعه أمير حرب شيشاني لإعادة إعمار مسجد خالد بن الوليد غير المكتمل بعد، فإن المشروع الوحيد الناجز هو "السوق القديم" في المدينة.

فَمن هو الذي موَّله؟ الروس؟ إيران؟ ليس هؤلاء ولا هذه. كان الذي مول إعادة بنائه هو الأمم المتحدة، المنظمة الوحيدة التي ليس لديها شيء لتخسره، سواء كان ذلك مالياً أو غير ذلك.

من المرجح أن روسيا وإيران ستتطلعان إلى جني عائد مقابل استثمارهما الكبير في سورية بدلاً من إنفاق المزيد من المال هناك. وكتب هيربرت سكوفيل جونيور، زميل السلام في مركز ستيمسون غير الحزبي، لموقع "ديفينس وَن"، أن موسكو غارقة بعمق ما يقدر بنحو 4 مليارات دولار أنفقتها في سورية، ويُعتقد بأن إيران أنفقت ما يصل إلى 35 مليار من أجل إبقاء الأسد واقفاً على قدميه.

بطبيعة الحال، هناك فرصة لأن يتم تسليم أجزاء من البناء العقاري لمستثمرين حكوميين من روسيا وإيران، ولكن باستثناء هذه الإيماءات الرمزية، فإن الشروط الأوسع نطاقاً للاستثمار الذي يقوده القطاع الخاص ليست حاضرة في البلد. وكما قال تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية، فإن "روسيا وإيران عرضتنا براعتهما العسكرية في سورية، ولكن، هل تستطيعان أن تدعماها على المدى البعيد بالموارد المالية اللازمة؟ يبدو هذا موضع شك إلى حد كبير... ربما تمتلكان الإرادة، بعبارات أخرى، ولكن يبدو أنهما لا تمتلكان القدرة".

في حين يحاول الأسد أن يحشد الأعمال وأن يبيع إعادة الإعمار كشيء ينطوي على إمكانية الكسب الكبير لأصدقائه، فإن ذلك لن يحدث أبداً طالما ظل في السلطة. لن تعود مراكز القوى التقليدية لصناعة الإنشاءات في المنطقة -الدول الخليجية والشركات الأوروبية متعددة الجنسيات- أو أنها لن تستطيع العودة إلى سورية بسبب العقوبات الدولية والعداءات السياسية. وقد مررت واشنطن قانون "لا مساعدة للأسد" من أجل منع الشركات الأميركية التي تعمل في قطاع الإنشاءات من العمل في المناطق التي يسيطر عليها الأسد. 

وهناك مسألة أخرى تمر على الأغلب تحت الرادار: من هم أولئك الذين يرى نظام الأسد أنهم سيقيمون في فنادقه الفخمة وشققه السكنية التي يفترض أن تبنى؟ وأين سيعثر السوريون الذين يتسوقون في مراكز التسوق الحديثة المفترضة على فرص للعمل؟

من الممكن أن ينقضَّ عدد صغير من الموالين للنظام على بعض إعمال إعادة الإعمار الرئيسية. وربما يتطلع بعض رجال العصابات من الشبيحة الذين يستثمرون مسبقاً في المطاعم والمقاهي في وسط دمشق وغرب حلب إلى نقل أرباحهم إلى مشاريع أكبر. ولكن، أي وكالة دولية موثوقة، سواء كانت روسية أو صينية أو إيرانية أو غير ذلك، يمكن أن تغامر بمنح قروض لميليشيات سابقة، ومن المستوى المطلوب لإعادة بناء أحياء وبلدات كاملة؟

هناك اقتصاد الحرب المزدهر في سورية، الذي يعمل بطريقة مختلفة جداً عن التدفق الحر للسلع والخدمات. ويتطلب تحقيق النمو لحقيقي الحركة الحرة، بينما يضع اقتصاد الحرب عائقاً آخر أمام هذه الحركة.

في واقع الأمر، يبدو أن الاضمحلال الذي شهد سورية كاقتصاد راكد طوال كامل السنوات الأربعين من حكم حافظ الأسد قد عاد الآن. وحتى تقرأ "سورية 2020"، يجب أن تقرأ "سورية 1970". وسوف يرتجف أي شخص عاش خلال تلك الأيام من فكرة أن مستقبل سورية سيبدو على ذلك النحو مرة أخرى.

لعل الحقيقة الأكثر قتامة هي أن الأمور ما كان ينبغي أن تكون حتماً بهذه الطريقة. فقبل العام 2011، كانت سورية تزدهر. ومع ذلك، ومع وجود الأسد في القمة، كان الانهيار والعنف اللذان جاءا بعد ذلك احتمالاً حاضراً على الدوام.

 

*صحفي إيرلندي أقام في سورية في الأعوام ما بين 2007 و2012. وهو مؤلف "الثورة في سورية: شاهد عيان على الانتفاضة". (مطبعة جامعة أوكسفورد: 2012).

*نشر هذا المقال تحت عنوان:

 Talk of rebuilding Syria is delusional

 

[email protected]