الحد الأدنى من احترام الشهداء

لم يعرف التاريخ مقاومة محاصرة ومحدودة الحركة مثل المقاومة الفلسطينية هذه الأيام، فلا يمكن مقارنة غزة والضفة بأفغانستان أو العراق أو لبنان. ومع ذلك يبقى في البشر من يسعى إلى ما عند الله عز وجل، يرضى بمعجل الشهادة على مؤجل النصر.

اضافة اعلان

كل عملية تساوي خلية، ومن لا يستشهدون يعتقلون ليواجهوا الموت كل يوم في سجون الاحتلال. سواء كانوا مطلقي صواريخ أو مطلقي رصاص. هؤلاء مهما اختلفت معهم يستحقون الحد الأدنى من الاحترام. صحيح أنهم يحظون بالتمجيد والتبجيل الذي يستحقونه لدى الأكثرية الساحقة في أمتهم وشعبهم، لكن للأسف فإن قلة رضيت لنفسها أن تنسق أمنيا ضدهم، والأسوأ من هذه الفئة من يسلقونهم بألسنة حداد، من دون أدنى احترام لشهادتهم.

قد تحدث أعجوبة ويتمكن المجاهدون من كتائب القسام في الخليل من الاختفاء، لكن المتوقع، للأسف، أن يقضوا قريبا أو يعتقلوا. وسبب التشاؤم هو ما جاء في مقال عكيفا إلدار الذي نشرت الغد ترجمته أمس وجاء فيه :" منذ أن عاد بنيامين نتنياهو الى السلطة فقد عنصر الأمن في العلاقات مع الفلسطينيين وفي الاتصالات مع الأميركيين تأثيره. وحتى كبار رجالات جهاز الأمن الإسرائيلي شهدوا أمام خبراء الأمن الأميركيين والأوروبيين بان مساعي الفلسطينيين في صد حماس وتعاون حكومة سلام فياض مع الجيش الإسرائيلي والمخابرات، جديرة بالاوسمة."

في هذه اللحظات علينا أن نعيش مع أولئك الأبطال ساعاتهم في العشر الأواخر من رمضان، لا ينتظرون " أوسمة" على الأرض، مع أنهم جديرون بها، يترقبون لحظة الشهادة ولكن بعد إثخان في العدو. ويأملون ألا يكون عدوهم من بني جلدتهم من حاملي الأوسمة. لا أفق أمامهم راهنا، الأفق بعيد للأجيال القادمة التي ستفتخر أنها من نسل من حملوا راية القسام بعد استشهاده بأكثر من نصف قرن. في المستقبل البعيد نكون قد غادرنا جميعا هذه الدنيا. وسيحار المؤرخون في لحظتنا الراهنة، المؤكد أن من نفذوا عملية الخليل سيكونون في عداد الأبطال والشهداء. أما من خذلوهم وباعوهم فهم في عداد ماذا؟

حتى نعرف من عدوهم لنقرأ مذكرات طوني بلير، إذ كشف أن "الأميركيين وخاصة الصقور، وبصفة محددة نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، كانوا يحرصون على غزو دول أخرى في الشرق الأوسط بما في ذلك سورية بعد العراق". وكشف بلير أن "تشيني كان يريد إطاحة صدام وضرب سورية وإيران، ومن ثم "حزب الله" و"حماس" اللذين يحتميان بهما"، معرباً عن اعتقاده بأن "تشيني كان يريد بعد 11 أيلول عالما جديدا ولو تم تغييره بالقوة وبسرعة".

لولا المقاومة في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين لانتصر مشروع تشيني في المنطقة. لم تنتصر الأمة، ولم تدحر المحتل، لكن ثلة من أبنائها تمكنت من عرقلة المشروع الاستعماري الجديد. تلك الثلة إن لم تستحق الفخار فهي في الحد الأدنى تستحق الاحترام. ولها الله وأجرها عليه.

[email protected]