الحرب المقبلة: مقامرة نتنياهو الانتخابية ستكون باهظة الثمن بالنسبة لإسرائيل

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - (أرشيفية)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - (أرشيفية)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة رمزى بارود* – (فورين بوليسي جورنال) 6/9/2019 في الأول من أيلول (سبتمبر)، ضرب حزب الله اللبناني قاعدة عسكرية إسرائيلية بالقرب من بلدة أفيفيم الحدودية. وجاء الهجوم اللبناني كرد فعل حتمي على سلسلة من الضربات الإسرائيلية التي استهدفت أربع دول عربية مختلفة في غضون يومين. يُظهر الرد اللبناني، المصحوب بالبهجة في جميع أنحاء لبنان، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ربما يكون قد بالغ في لعب أوراقه. ومع ذلك، كان هذا بالنسبة لنتنياهو مقامرة تستحق العناء، لأن الزعيم الإسرائيلي يائس من أجل كسب أي رأس مال سياسي جديد يمكن أن يحميه من متنافسين يزدادون جرأة باطراد في الانتخابات العامة التي ستجري في 17 أيلول (سبتمبر). ثمة سؤال أساسي يمكن أن يؤثر على أي تحليل لقرار ضرب سورية ولبنان والعراق وغزة، هو ما إذا كانت هذه الاستراتيجية قد نشأت من الحكومة الإسرائيلية أم من الحسابات الشخصية المحدودة لنتنياهو نفسه. وأنا أزعم أن الاقتراح الأخير هو الصحيح. لقد سبق وأن انتهكت إسرائيل سيادة جميع هذه المناطق، وقصفت البعض منها مئات المرات في الماضي، لكن ضربها جميعاً مرة واحدة هو أمر غير مسبوق. وبما أن إسرائيل لم تعرض، لا هي ولا حلفاءها الأميركيين، أي منطق عسكري مقنع وراء هذه الحملة، فإنه لا يمكن أن يكون هناك أي استنتاج آخر سوى أن الأهداف من ورائها كانت سياسية بالكامل. إحدى الدلائل الواضحة على أن القصد من وراء الهجمات كان أن تعود بالفائدة على نتنياهو -ونتنياهو فقط- هي حقيقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي انتهك بروتوكولاً إسرائيلياً قديماً وراسخاً، والذي يتمثل في التزام الصمت بعد ارتكاب هذا النوع من العنف عبر الحدود. كما أن من غير المألوف أن يتفاخر كبار المسؤولين الإسرائيليين بمدى الوصول الاستخباراتي والقدرات العسكرية لبلدهم. وكانت إسرائيل، على سبيل المثال، قد قصفت سورية مئات المرات في السنوات الأخيرة، لكنها نادراً ما أعلنت مسؤوليتها عن أي من هذه الهجمات. ولنقارن هذا مع تصريحات نتنياهو التي صدرت في أعقاب الضربات التي حدثت في يومي 24 إلى 25 آب (أغسطس). بعد دقائق فقط من الضربات الإسرائيلية، أشاد نتنياهو بـ"الجهد العملياتي الكبير" للجيش، معلناً أن "إيران ليست لديها حصانة في أي مكان". وفيما يتعلق بالهجوم على منطقة عقربا السورية الجنوبية الشرقية، ذهب نتنياهو إلى حد ذكر التفاصيل، فوصف طبيعة الهدف وهويات العدو المستهدف كذلك. حدد الجيش الإسرائيلي هوية اثنين من مقاتلي حزب الله الذين قتلوا في سورية. وقام الجيش بتوزيع صورهما أثناء سفرهما على متن طائرة تابعة لشركة الطيران الإيرانية، ماهان، "التي صنفتها إسرائيل والولايات المتحدة كناقل رئيسي للأسلحة والعتاد إلى حزب الله والوكلاء الإيرانيين الآخرين في سورية ولبنان"، وفقاً لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل". لماذا تذهب إسرائيل إلى هذا الحد، والذي سيساعد بالتأكيد البلدان المستهدفة في اكتشاف هوية بعض مصادر المخابرات الإسرائيلية؟ كشفت مجلة "الإيكونومست" أن "البعض ... في المؤسسات الأمنية والسياسية في إسرائيل غير مرتاحين" مع تمجيد نتنياهو الدؤوب "لنجاح إسرائيل في جمع المعلومات الاستخباراتية والتشغيلية بتفاصيل مدهشة". ويكمن التفسير في عبارة واحدة: انتخابات 17 أيلول (سبتمبر). في الأشهر الأخيرة، نجح نتنياهو أخيراً في مقارعة العنوان البارز: "رئيس الوزراء الأطول خدمة في البلاد"، وهو وصف حصل عليه الزعيم الإسرائيلي، على الرغم من إرثه المتقلب والمليء بإساءة استخدام السلطة والأجندة الخادمة للذات والعديد من قضايا الفساد الكبرى التي ترتبط بنتنياهو مباشرة، إلى جانب زوجته وأقرب مساعديه. ومع ذلك، ما يزال من غير الواضح ما إذا كان نتنياهو سيستطيع الصمود لفترة أطول. بعد انتخابات 9 نيسان (أبريل)، حاول الزعيم الإسرائيلي المحاصر تشكيل حكومة من السياسيين اليمنيين المشابهين له في التفكير، لكنه فشل. وكانت هذه النكسة هي التي دفعت إلى حل الكنيست الإسرائيلي في 29 أيار (مايو) والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة. وفي حين أن السياسة الإسرائيلية مضطربة في العادة، فإن إجراء انتخابات عامة ثانية في غضون فترة قصيرة من الزمن هو شأن نادر الحدوث جداً، وهو يجسد -من بين أمور أخرى- ارتخاء قبضة نتنياهو على زمام السلطة. ثمة أمر على نفس القدر من الأهمية، هو أن نتنياهو وحزبه، الليكود، يواجهان لأول مرة منذ سنوات منافسة حقيقية. ويحرص هؤلاء المنافسون، بقيادة بنيامين غانتس من حزب الوسط، "أزرق وأبيض"، على حرمان نتنياهو من كل الدوائر الانتخابية المحتملة، بما في ذلك مستعمراته المؤيِّدة الخاصة غير القانونية وأنصاره من مؤيدي الحرب. لا تكاد التصريحات والبيانات التي أدلى بها غانتس في الأشهر الأخيرة تتفق مع الخطاب الأيديولوجي المفترض للوسط السياسي في أي مكان على الإطلاق. فمن المعروف عن رئيس الأركان العامة السابق للجيش الإسرائيلي أنه مؤيد قوي للمستوطنات اليهودية غير الشرعية، ومروج قوي للحرب على غزة. وفي حزيران (يونيو) الماضي، ذهب غانتس إلى حد اتهام نتنياهو بـ "تقليص سياسة الردع الإسرائيلية" في غزة، والذي سوف "تفسره إيران على أنه علامة على الضعف". في واقع الأمر، كثيراً ما نُسبت مصطلحات "ضعيف" أو "ضعف" مراراً وتكراراً إلى نتنياهو من قبل خصومه السياسيين، بمن فيهم كبار المسؤولين داخل معسكره اليميني نفسه. وقد أصبح الرجل الذي رهن سمعته على العنف الشخصي أو الذي لا يردعه شيء باسم الأمن الإسرائيلي يكافح الآن من أجل حماية صورته. لا يستبعد هذا التحليل بأي حال من الأحوال الأهداف الإقليمية والدولية لحسابات نتنياهو، والتي ربما يكون من الأبرز بينها رغبته في خنق أي حوار سياسي بين طهران وواشنطن، وهي فكرة شرعت في أن تأخذ شكلاً في قمة مجموعة السبع في بياريتز، فرنسا. ولكن، حتى هذا التفسير يظل غير كافٍ لعرض فهم متكامل لدوافع نتنياهو، خاصة وأن الزعيم الإسرائيلي يركز كلياً على بقائه الخاص، في مقابل السيناريوهات الإقليمية المستقبلية. ومع ذلك، فإن أوراق اعتماد "السيد أمن" التي هدف نتنياهو إلى تحقيقها من خلال قصف أهداف متعددة في أربع دول عربية ربما لا تحقق العوائد المطلوبة. ففي هذه الآونة، تنقل وسائل الإعلام الإسرائيلية شعوراً بالذعر بين الإسرائيليين، وخاصة أولئك الذين يعيشون في الأجزاء الشمالية من البلاد وفي المستوطنات اليهودية غير الشرعية في مرتفعات الجولان المحتلة. وهذه بالكاد هي الصورة القوية والعظيمة التي كان نتنياهو يأمل في عرضها لنفسه من خلال مقامرته العسكرية. وفي الوقت الحالي، لا يشعر أحد من بين آلاف الإسرائيليين الذين يتم تدريبهم على النجاة من أعمال الانتقام اللبنانية بأي قدر من الطمأنينة فيما يتعلق بقوة بلدهم. بطبيعة الحال، ليس نتنياهو أول زعيم إسرائيلي يستخدم الجيش لتحقيق غايات سياسية داخلية. لقد فعل الزعيم الإسرائيلي الراحل شيمون بيريز ذلك في العام 1996، وفشل فشلاً ذريعاً –ولو أن ذلك كان فقط بعد قتل أكثر من 100 من أفراد قوات حفظ السلام اللبنانيين والتابعين الأمم المتحدة في قرية قانا بجنوب لبنان. ربما تأتي عواقب مقامرة نتنياهو بثمن أسوأ بالنسبة له من مجرد خسارة الانتخابات. إن فتح حرب متعددة الجبهات هو صراع لا تستطيع إسرائيل كسبه -ليس بعد الآن، على الأقل. *صحفي ومؤلف ورئيس تحرير مجلة "ذا بالستاين كرونيكل". أحدث مؤلفاته كتاب بعنوان "الأرض الأخيرة: قصة فلسطينية" (مطبعة بلوتو، 2018). حصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الفلسطينية من جامعة إكستر، وهو باحث سابق غير مقيم في مركز أورفاليا للدراسات العالمية والدولية في جامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا. *نشر هذا المقال تحت عنوان: The War Ahead: Netanyahu’s Elections Gamble Will be Costly for Israelاضافة اعلان