"الحرب على إيران": صب الزيت على النار!

فاجأ وزير خارجية فرنسا برنارد كوشنير الكثيرين بتصريحات اطلقها مطلع هذا الاسبوع داعيا للاستعداد للحرب ضد ايران، وقد رددت وسائل الاعلام العالمية، وفي المنطقة، تلك التصريحات مما دلل على ان عنصر الغرابة فيها لم يقتصر على من يعنيهم الامر مباشرة.

اضافة اعلان

قال كوشنير في مقابلة تلفزيونية واذاعية الاحد الفائت:"علينا ان نستعد للأسوأ، والأسوأ هو الحرب"، الحرب ضد ايران طبعا بسبب عدم توصل المحادثات الجارية معها على اكثر من صعيد لإقناعها بالتخلي عن برنامجها النووي، حتى لو ثبت - كما تدعي- أن غايته هي الاستخدام السلمي.

وقد ربط المراقبون بين تصريحات كوشنير،ذات الطبيعة الحربية التهديدية،وبين تصريحات مشابهة صدرت قبل ذلك بأسابيع نُسبت للرئيس الفرنسي ساركوزي، في أول خطاب سياسي رئيسي له، أن"التحرك الدبلوماسي القومي هو البديل اما لقنبلة ايرانية، او لقصف ايران".

لا شك أن تصريحات الوزير الفرنسي هي خروج شاسع عن الخطاب الدبلوماسي الرصين المنتظر من دولة اوروبية رئيسية، تربطها اضافة لذلك علاقات وثيقة بالمنطقة وبالعديد من دولها، والمفروض تبعا لذلك ان فرنسا تدرك بعمق ان تدهور الاوضاع في الشرق الاوسط، اكثر مما هي عليه الآن، يؤثر تأثيرا مباشرا وكبيرا على اوروبا،ومصالحها وعلاقاتها مع منطقة الشرق الاوسط، وعلى امنها.

ندرك تماما ان الحملة على ايران هي في حالة تصاعد مستمر، فقد كانت ايران من بين الدول المستهدفة بعد العراق، وسورية، وحزب الله ضمن برنامج المحافظين الجدد. كانت الخطة بحسب ما ورد في التقرير المشهور الذي اعدته جماعة من المحافظين الجدد انصار اسرائيل عام 1996 لرئيس الوزراء نتنياهو حينئذ، Aclean Break وتضمن برنامجا شاملا لتغيير كل اوضاع المنطقة لحالة جديدة ملائمة لاسرائيل.

بحسب ما ورد في ذلك التقرير؛ كان المطلوب بالتحديد القضاء على نظامي حكم البعث في بغداد ودمشق ثم القضاء على نظام حكم "الملالي" في ايران، ولكن التوقعات كانت حربا سريعة وحاسمة في العراق، ثم تنتقل للمرحلة الثانية والثالثة من اهدافها، خلافا لأسوأ الاحتمالات غرقت حرب العراق في مستنقع الدم والعنف والدمار المستمر منذ عام 2003، ما جعل الانتقال لتنفيذ بقية اجزاء الخطة في سورية وايران صعبا.

وفشلت صيف العام الماضي حرب اسرائيل في القضاء على حزب الله، ولكن كل ذلك لم يخفف من الحملة على ايران، المتهمة اضافة لطموحها النووي برعاية الارهاب، وبقيادة تحالف شيعي متطرف يمتد من طهران الى دمشق الى حزب الله الى حماس في غزة، ضد الدول والقوى المعتدلة في المنطقة.

صحيح ان فشل مشروع الحرب على العراق قد أعاق المراحل التالية من خطة المحافظين الجدد، الا ان الامور تغيرت لدرجة قد تجعل حربا جديدة ضد ايران الوسيلة الوحيدة المتبقية للتغطية على فشل حرب العراق.

خلال الاشهر والاعوام الماضية قرأنا تقارير،وسمعنا تحليلات خبيرة، لا عد لها ولا حصر، عن العواقب المحتملة لضربة عسكرية لايران، عواقب تفوق في اضرارها واخطارها على المنطقة، وعلى العالم، اي ضرر محتمل من قنبلة قد تتمكن ايران من صنعها خلال عشر سنين.

قرأنا تحذيرات مخيفة عن ردود فعل ايرانية لضربة محتملة تشمل حرق ابار النفط في الخليج برمته، وقصف الناقلات والبواخر بالصواريخ واغلاق مضايق هرمز ودفع سعر برميل النفط لأعلى من مائتي دولار للبرميل الواحد نتيجة وقف وصول اي نفط من الخليج.

وقرأنا أن ايران قد تدفع بمئات الآلاف من المتطوعين الانتحاريين لمهاجمة القوات الاجنبية في العراق، ولن يكون بالمستطاع التصدي لمثل هذا الطوفان البشري, وقرأنا انه اذا كانت ايران بالفعل تقود تحالفا يشمل سورية وحزب الله وانصارا مخفيين في كل دول المنطقة، فما الذي يمنعها من تحريك كل هؤلاء ضد اسرائيل لتشتعل المنطقة بأسرها.

وهل تحتمل منطقة ملتهبة اصلا، في العراق، ولبنان وفلسطين(اضافة لما يجري في الارجاء الابعد في الصومال وافغانستان) حرائق جديدة؟ لا يمكن ان تكون هذه الحقائق خافية على فرنسا، التي وقفت من قبل بقوة ضد الحرب على العراق، وثبت ان موقفها من الحرب كان الاصح.

قد تفهم دوافع اسرائيل من وراء تغذية حملة التحريض المستمرة على ايران وتهويل الخطر القادم منها، وقد نفهم دوافع المحافظين الجدد، لكن ما يستعصي على اي منهم هو موقف دولة كفرنسا عندما تنضم لقائمة المهولين متجاهلة عواقب كارثة جديدة تضرب المنطقة.

من البديهي ان مسعى ايرانيا لبناء ترسانة نووية لن يمر بغير عواقب ايضا، لن يسمح عالم اليوم لإيران حتى بممارسة حقها في استخدام الطاقة النووية للاستخدام السلمي، ولأنه من غير المستبعد ان الذي يجري مع ايران الان هو صورة مكررة عما جرى لعراق صدام حسين حين كان مستهدفا، مذنبا كان ام بريئا، وحين كانت الحرب مقررة ضد العراق بأسلحة دمار شامل او من دونها، يتوجب على ايران ان تلتزم اقصى قدر من المرونة لإسقاط الذرائع ومنع الكارثة، فالمسؤولية متبادلة ومشتركة من اجل ذلك.

كم كنا نتمنى من دولة كفرنسا ان تلتزم سياسة شرق اوسطية رصينة، تأخذ الحقائق المرعبة الماثلة امام اعين الجميع بنظر الاعتبار، فهنالك احتقانات هائلة نتيجة فشل ما يسمى بعملية السلام بعد مرور اكثر من 16 سنة على انطلاقتها.

هنالك تراجع غير مسبوق لعملية السلام وللعلاقات في شتى ارجاء المنطقة، وهنالك بذور فتنة وتفرقة وتجزئة وحروب طائفية زرعتها حرب العراق وستحتاج لعقود وليس لسنين لمعالجة اثارها.

المطلوب سياسة اوروبية، وليس فقط فرنسية، تسعى للتهدئة وللسيطرة على التوتر والخلاف، فما يؤذي المنطقة يؤذي اوروبا ايضا، والامثلة كثيرة دون الحاجة للاشارة اليها، آخر ما يجب ان تتوقعه شعوب ودول المنطقة هو صب المزيد من الزيت على النار.

سفير الأردن في الأمم المتحدة