الحرب على "داعش": تركيا وإيران تحسبان خطواتهما بدقة

سليمان قبيلات

عمان - تظهر تداعيات الموقفين التركي والإيراني من الحرب الأميركية العربية على "داعش" أن عملية صنع القرار في العاصمتين تجاه هذا التطور تحكمها ثوابت تخدم المصلحة القومية للقوتين الإقليميتين اللتين تنازعان الاحتلال الإسرائيلي في النفوذ السياسي والعسكري في المنطقة العربية.اضافة اعلان
أمس الخميس وفي خضم القصف على "تنظيم الدولة"، أكدت مصادر رسمية تركية أن مشاركة أنقرة الحقيقية في أي حرب تشن على "الإرهاب في سورية" ستحدد بعد أن يوضح التحالف الدولي نظرته إلى مستقبل النظام السوري، مجددة معارضتها لتسليح الأكراد خشية تسرب هذه الأسلحة إلى أراضيها.
المصادر التركية الرسمية تؤكد أن أنقرة سوف تعيد النظر في موقفها السابق المتحفظ على أي استخدامات عسكرية لأراضيها بعد عودة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان من نيويورك. وكشفت عن سلسلة اجتماعات مقررة الأسبوع المقبل يشارك فيها عسكريون ومسؤولون مدنيون أتراك لرسم معالم الإستراتيجية التركية حيال "داعش"، بعد الإفراج عن 46 تركيا وثلاثة موظفين عراقيين كان التنظيم المتشدد يحتجزهم منذ سيطرته على مدينة الموصل في 12 حزيران (يونيو) الماضي.
وتشدد المصادر التركية على أن "لتركيا تحفظات أساسية على خطة التحالف الدولي؛ أولا بسبب عدم وضوحها ووضوح أهدافها النهائية، وثانيا بسبب المخاطر الناجمة عن التنفيذ غير المدروس الذي قد يهدد أمننا القومي". وأوضح المصدر للصحيفة أن "أنقرة تريد تأكيدات بأن هذه الضربات لن تكون لمصلحة نظام الأسد". وأشار إلى أن تركيا أبلغت من يعنيهم الأمر بأنها تعارض بشدة عمليات التسليح التي يقوم بها التحالف للأكراد خشية تسرب هذه الأسلحة إلى "إرهابيين" في أراضيها. وأضاف أن "تنظيم حزب العمال الكردستاني المحظور يسعى لفرض نفسه جزءا من التحالف الدولي لمقاتلة "داعش"، ووصول السلاح إليه أمر خطير جدا على أمننا القومي".
وأشار أيضا إلى أن "تسليح أكراد سورية، وإلى حد ما أكراد العراق، قد يؤدي إلى تسرب السلاح لاحقا إلى أيدي الإرهابيين على أراضينا". وأضاف "لقد دفعنا الثمن 40 ألف ضحية (ضحايا القتال مع التنظيم منذ 1982) ولا نريد أن نرى مواطنينا يقتلون برصاص وصل إلى الأيدي الخاطئة".
أمّا إيران، فلا يخفى أن شروطها لمحاربة "داعش" تتمحور حول الاتفاق النووي، وهو ما عبر عنه المرشد علي خامنئي الذي رفض "عرضاً" أميركياً للتعاون في محاربة "داعش" ومفاده أن طهران مستعدة لوضع هذا التعاون في غمار المفاوضات النووية ومساوماتها.
بيد أن واشنطن ما تزال متمسّكة بفصل التفاوض النووي عن أي تفاوض آخر، وهو ما تعهّدت به إدارة باراك أوباما للكونغرس ولإسرائيل. وبالتزامن يتوقع محللون أن تذهب واشنطن إلى تقديم تنازلات لطهران بسبب حاجتها إلى دورها في الحرب ولكن وقتها لم يحن بعد. ويقول المحللون، إنه لذا فإن طهران لا يرضيها أن هناك تحالفاً دولياً، وأدواراً لكل الدول "بما فيها إيران" في الحرب على "داعش". المحللون يذهبون إلى أن "هذه الصيغة لا ترضي إيران التي كانت تتوقع التنسيق معها أولاً لأن الحرب ستدور في معقلين أساسيين لنفوذها. ولأنها لم تدرك بعد أن ما تسميه "نفوذاً" بات في نظر معظم دول "التحالف" جزءاً لا يتجزّأ من مشكلة الإرهاب، فإنها تطلب ثمناً لتعاونها في محاربته يدفع لها من شروط ضبط برنامجها النووي".
وأمّا إسرائيليا، فباستثناء بعض التحذيرات والتقارير الاستخباراتية الاحترازية، يكاد يتفق جل الخبراء والمسؤولين الإسرائيليين على عدم وجود تهديد جاد ومباشر لـ"داعش" بالنسبة لكيانهم".
ومن جانبه أورد يادلين- في مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت في وقت لاحق من هذا الشهر- أسانيد إستراتيجية عديدة لهذا الطرح. فلوجيستيا ينشط التنظيم على مسافة بعيدة تمتد لمئات الكيلومترات من "حدود إسرائيل"، وخلافا لحركة "حماس"- الموجودة بمحاذاة حدود إسرائيل- فإن "داعش" لا يمتلك أنفاقا ولا قدرات مدفعية أو صواريخ، كما أنه ليس لديه حلفاء يزودونه بالسلاح المتطور.
واستبعد يادلين وصول تأثير "داعش" إلى الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية فكريا أو عسكريا، إذ إن أيديولوجية هذا التنظيم الجهادية موغلة في التطرف إلى درجة تأبى قبولها أكثر التنظيمات في المنطقة تشددا بما فيها تنظيم القاعدة ذاته.
وإستراتيجيا لا يتخطى تعداد مقاتلي "داعش" -بما فيه المليشيات التي انضمت له- عشرة آلاف مقاتل، وهو ما يعادل نصف حجم القوة العسكرية لحركة حماس، فيما لا يتجاوز مستوى تسليحه المتواضع سيارات "تندر" وبنادق "كلاشينكوفات" ورشاشات.
واعتبر يادلين أن تهديد داعش كمنظمة جهاد عالمية لإسرائيل لا يختلف جوهريا عن تهديد تنظيم القاعدة، الذي تتعايش إسرائيل معه منذ ما يربو على عشر سنوات، وأضاف أنه "في حال قيام "داعش" بنقل نشاطه من العراق إلى إسرائيل فإنه سيقع فريسة للاستخبارات الإسرائيلية وطائرات سلاح الجو والسلاح الدقيق المتطور الذي بحوزة القوات البرية الإسرائيلية".
وفى إشارة لا تقبل التشكيك، على اعتراف واشنطن بوجود دور إسرائيلي استخباراتي في الحرب على "داعش"، أكد مسؤول إسرائيلي، أن كون إسرائيل شريكا إستراتيجيا محوريا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط كفيل بأن يجعل منها ركنا مهما من أركان الحملة العالمية والإقليمية الراهنة لمحاربة الإرهاب.