الحزب الذي سيكتسح الانتخابات المقبلة

باستثناء بلديتي الزرقاء وإربد لن يكون التنافس ساخنا في الانتخابات البلدية المقبلة. معطوفا عليها السخونة الناتجة عن الصراع بين الأفخاذ والبطون داخل العشيرة الواحدة في المناطق الريفية والبدوية. ومهما ارتفعت سخونة المنافسة فلن تدفع ما يسمى بـ "الأكثرية الصامتة" إلى المشاركة. بل سنشهد زيادة ملحوظة في نسبة الصامتين قياسا على ما شهده البلد من انتخابات.

اضافة اعلان

من الأفضل أن تسمى الأشياء بأسمائها، فالأكثرية الصامتة هي "حزب السلبية" الذي يعتبر نفسه غير ذي صلة بما تشهده البلاد من انتخابات. وهو الحزب الذي يكتسح كل انتخابات تجري سواء كانت نيابية أم بلدية أم نقابية. ومنذ العام 1989 وبحسب خبراء الاستطلاعات يتقدم هذا الحزب على حساب الموالين والمعارضين. ويمكن رصد تقدمه من خلال أعداد المسجلين في الانتخابات وأعداد الناخبين.

على ما حاق بالإسلاميين من تراجع وتدهور يظلون الحزب الوحيد الفاعل، وهو ما يبدو واضحا في الزرقاء وإربد وعمان لو كانت فيها بلدية. فلا حزب يستطيع أن يقول إن له مرشحين وقوائم في الانتخابات البلدية أو النيابية يملكون حظوظا في المنافسة. حتى ما يسمى بالإحزاب الوسطية ينكر مرشحوها قبل الانتخابات أي علاقة لهم بالحزبية خصوصا والسياسة عموما.

نجحت الدولة منذ العام 1989 في صد الموجة الإسلامية واحتوائها، سواء من خلال التدابير السياسية والأمنية أم من خلال قانون الانتخابات. ولكنها لم تنجح في بناء بديل جاذب للناس. النخب التي صنعتها الدولة ظلت عالة عليها. إذ لا تقدم تلك النخب أي نموذج واكتفت بأنها "خدمية" تستنزف وظائف الدولة في التشغيل، وتربك إدارتها بالترفيع والنقل والتعيين. وبدلا من استثمار موارد الدولة في تنمية المجتمعات بددت الكثير من الموارد في نفقات خدمية تتبدد مع نهاية المواسم الانتخابية.

لم يتشكل عندنا في الأردن "حريرية" سياسية، فالحريري درّس زهاء خمسين ألف طالب جامعي من مختلف الطوائف، وعندنا لا تجد من درّس خمسين طالباً من أقاربه مهما بلغت ثروته، ولم يتم صناعة أي نخبة عابرة للمحافظات. فحضور شخصية خدمية ولو بمستوى رئيس وزراء لا يتعدى محافظته أو إقليمه. أما الوزراء والمديرون فتدنت مصالحهم إلى عشائر وأفخاذ داخل البلدة الواحدة.

لم يدرك المسؤولون بعد خطورة انهيار ثقة الناس بالمناصب العامة، فاستطلاعات الرأي التي يجريها مركز الدراسات الاستراتيجية منذ عقد بخصوص الثقة في الحكومات تكشف تراجعا مذهلا مع كل حكومة تتشكل، ومع مرور كل يوم تتراجع الثقة فيها، وهذا ينطبق على الثقة في النواب، الانهيار والتراجع لم تستفد منه المعارضة بعامة والإسلاميون بخاصة، بل كان لديهم انهيارهم وتراجعهم المتوازي.

صحيح أن الدولة في ظل الأوضاع المتفجرة في الإقليم تستفيد من ضعف القوى المنظمة، لكن في المقابل تشكل السلبية مناخا مواتيا للأفكار المتطرفة. فالذي يترك الإخوان المسلمين يريح الدولة من معارض في الوجه، لكن وجهته غير محددة فقد ينضم لحزب السلبية ولا يصوت للإخوان ولا لغيرهم، وربما يعود إلى حضن العشيرة. الخيارات لا تتوقف هنا. سيفكر بعضهم بطريقة مختلفة: "لم يسمح للمشروع الإسلامي بالوصول إلى غاياته سلما وعبر صناديق الانتخابات، لنحاول عنفا". ثمة مغريات للعنف أكثر في فلسطين والعراق ستجذب من فشلوا في اختبار السياسة.

ربما المكان الوحيد الذي سيهزم فيه حزب السلبية هو في الوحدات العسكرية التي سيسمح لها  بالانتخاب. فالجند لا يملكون ترف الكسل صبيحة الانتخابات. المشكلة الوحيدة هنا أنك لا تستطيع أن تجند المجتمع كله! وعليه يظل الرهان قائما على حزب السلبية الذي تشعر  أمانته العامة بارتياح كبير للانتخابات المقبلة.

[email protected]