"الحصالة" تعزز المسؤولية لدى الأطفال

تعليم الأطفال مبدأ الادخار والاقتصاد يجعلهم قادرين على اتخاذ قرارات منطقية - (أرشيفية)
تعليم الأطفال مبدأ الادخار والاقتصاد يجعلهم قادرين على اتخاذ قرارات منطقية - (أرشيفية)

منى أبوحمور

عمان- شعور بالسعادة يغمر عبدالله حازم (6 أعوام)، كلما هزّ حصالته وشعر بثقل يزيد يوما بعد يوم، معتقدا بأن ما جمعه من نقود كافٍ لشراء الدنيا وما فيها.
ويحرص عبدالله على وضع كل ما يحصل عليه من نقود، من أعمامه وأخواله، في الحصالة، حتى يتمكن من شراء كل ما يلزمه، ويقول "تعودت أحط شوي من مصروفي كل يوم الصبح".
ويبرر عبدالله "تحويشه لمصروفه"، رغبة منه في مساعدة والديه في مصروف البيت، وتأمين مسلتزماته.
في حين يجد يزن (6 أعوام)، أن ما جمعه من نقود في حصالته سيحل جميع أمور والديه المادية، معتقدا أن تلك النقود تمكنه من الإنفاق على نفسه لفترة طويلة، ومن التوفير على والديه.
فرح محمد (12 عاما)، اعتادت منذ أعوام على شراء حصالة في بداية كل عام دراسي، تضع فيها الفائض من مصروفها، لاسيما تلك النقود التي تحصل عليها من أهلها وأقاربها، في المناسبات والأعياد.
وتقول "الحصالة بالنسبة لي مهمة جدا". إنها تمكنها من شراء ما ينقصها، كما أن الحصالة تجعلها أكثر حرصا وتفكيرا في النقود، قبل صرفها في أمور غير مهمة.
أما الثلاثثيني أحمد الزعبي فهو ما يزال يحتفظ بحصالته التي يجمع بها ما يبقى معه في نهاية اليوم، من "فكة"، لافتا إلى أن أجمل لحظة هي تلك التي يضع فيها قطعة النقود.
"الحصالة رفيقة دربي منذ أن كنت صغيرا"، فهو يعتبرها بمثابة البنك، وهي صندوق ادخار حقيقي في حياته؛ حيث يعتمد عليها في ترخيص سيارته في كل عام، وشراء بعض الحاجيات التي لا يحتمل راتبه توفيرها.
من جانبها، تصف الثلاثينية أمل رعود، التغيير الكبير الذي حصل مع ابنها الصغير، منذ أن قام بتجميع نقوده في الحصالة؛ حيث "أصبح أكثر تدبيرا وأقل إنفاقا".
"في البداية كان يصرف جميع نقوده على الحلويات والسكاكر، بدون أي داعٍ"، مبينة أن الفائدة لم تكن مادية فحسب، بل كذلك صحية، إذ لم يعد يتناول الحلويات كثيرا.
وتزداد أهمية الحصالة، وفق رعود، من خلال الشعور بالمسؤولية الذي لمسته مؤخرا عند ابنها الذي أصبح يستعرض النقود التي وفرها عند كل أزمة مالية تتعرض لها العائلة.
من جانبه، يشير اختصاصي علم النفس والتربية، منذر سويلمين، إلى أن الترشيد والتقنين والتدبير كلها مفاهيم ومصطلحات مترادفة تساعد الطفل على حسن التدبير.
ويرى أن وجود الحصالة عند الأطفال منذ الصغر، يضع فيها جزءا من مصروفه اليومي، يجعله يحصل في النهاية على مبلغ مهم. فهي في البداية لعب وهواية، وليس لها أي بعد اقتصادي، لكن مع الوقت تتجلى فائدتها العملية، بعد أن يتأكد الطفل أن المبلغ البسيط الذي كان يوفره كل يوم صار مبلغا كبيرا.
وجود الحصالة، في رأي سويلمين، ينمي لدى الطفل حسن التدبير، منوها إلى أنه يجب أن يكون المبلغ الذي يوفره جزءا من مصروفه وليس كله، حتى لا يصل إلى مرحلة الحرمان، ومن الممكن أن يزيد الأهل مصروف طفلهم حتى يتمكن بدون عناء من اقتطاع جزء منه بدون التأثير على مصروفه.
وفي هذا الشأن، يرى اختصاصي علم الاجتماع الاقتصادي، حسام عايش، أن أهم مشكلة نعاني منها أن الاستهلاك بات أكثر من الدخل؛ إذ صرنا نستهلك ثلاثة أضعاف إنتاجنا، ولذلك نعيش في عجز دائم، إضافة إلى أن معظم الأسر غير قادرة على الادخار الذي يساعد على الاستثمار، وإعادة التدوير في خدمة الاقتصاد والناس.
وتلقين الأطفال مبدأ الادخار والاقتصاد، وإنفاق المال، كما يقول، يجعلهم قادرين على اتخاذ قرارات منطقية وراشدة، مؤكدا أن تلك أول لبنة في بناء مجتمع يفكر في إيجاد أعلى عائدٍ بأقل كلفة.
عايش، الذي يؤكد أن "الحصالة هي أهم وسيلة لتعليم الصغار كيفية التوفير، والتعامل مع الاستهلاك"، يلفت إلى أن مهمة الحصالة جعل هؤلاء الشباب الصغار يشعرون بأن لهم دورا في هذه الحياة، رائيا أن الحصالة تشكل قيمة كبيرة، لا سيما عندما يعتمدون عليها في شراء حاجيات لا يستطع أهلهم تأمينها، الأمر الذي يجعلهم يشعرون بأن لهم دورا وشأنا في البيت، وأن الحصالة هي التي أسهمت في جعلهم أصحاب قرار ومسؤولية.
ويضيف أن هذه الحصالة تلعب دورا آخر، عندما يقوم الآباء بوضع قيمة مماثلة من النقود في الحصالة، أو جزء منها، لصالح الابن. فذاك سيعزز انتماءهم لهذه الحصالة، لما تدره عليهم من فوائد جمة.
ويلفت عايش إلى ضرورة أن تلعب المدارس الدور الاقتصادي الغائب عنها في تربية الأولاد تربية اقتصادية منطقية، وذلك من خلال وضع حصالات في الصفوف يتم من خلالها تجميع النقود من الطلاب، وتوفيرها لشراء حاجيات تتعلق بالطلاب في الشتاء، مثلا، وتنظيم مسابقات تحفيزية للطلاب، تحقيقا لأغراض إيجابية تعود عليهم بالفائدة.
ويضيف عايش أن تعزيز ثقافة الحصالة لدى الأبناء يولد لديهم الكثير من الخصال الحميدة؛ كالاعتماد على الذات، والادخار الذي يخدم المتطلبات الحقيقية، وخلق التفكير الريادي في عقولهم، حول كيفية تحويل جزء من المصروف إلى قيمة كبيرة، بعد إيداعه في الحصالة.

اضافة اعلان

[email protected]

 @munaabuhammour