الحق في التمتع بفوائد التقدم العلمي

من تبعات فيروس كورونا المستجد أنّ حقوقًا كثيرة كانت طي النسيان، وفي أحيان أخرى كان الحديث عنها من قبيل الترف الحقوقي؛ نظرًا لتسّيد حقوق أخرى المشهد العام، بالرغم من أنّ حقوق الإنسّان بطبيعتها ومن أبرز خصائصها أنّها متكاملة، فلا يعلو حق على آخر، وانتهاك أحد هذه الحقوق يفضي إلى انتهاك حقوق أخرى. الحق في التمتع من فوائد التقدم العلمي أحد الحقوق المكفولة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المادة (15/ب) والتي نصت على أن تقرّ الدول الأطراف في هذا العهد بأنّ من حق كلّ فرد أن يتمتع بفوائد التقدم العلمي. وقبل ذلك أقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (27) للأفراد الحق في الاستفادة من فوائد التقدم العلمي. تعزز المضمون المعياري لهذا الحق في تقارير المقررين الخاصين المقدمة للجمعية العامة في الأمم المتحدة؛ حيث أكدّت المقررة الخاصة في مجال الحقوق الثقافية في تقريرها المقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012م على الصلة الوثيقة والعضوية بين هذا الحق وحقوق الإنسان الأخرى، وعلى انّ المضمون المعياري لهذا الحق يتضمن استفادة الجميع دون تمييز من فوائد العلم وتطبيقاته وتهيئة بيئة مواتية لتعزيز العلم وصيانة التكنولوجيا وانمائهما واشاعتهما. كما أكدت وفي اطار الالتزامات المفروضة على الدولة لإعمال هذا الحق أن تتخذ الدول التدابير الكفيلة بتعزيز الوصول إلى الحواسيب والربط بشبكة الإنترنت وذلك بصورة مناسبة تدعم حق كلّ فرد في الوصول إلى المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات واستخدامها بطرق ذاتية وممكنة. هذا الحق في العديد من دول العالم من الحقوق الغائبة عن المشهد العام؛ فهناك حقوق ما زالت تلك الدول تسعى وتحبو نحوها، تمثل لأفرادها أحلاما تصبو إليها، كالحق في العمل والحق في أعلى مستوى صحي يمكن بلوغه، والحق في مستوى معيشي لائق، والحق في حرية التعبير والحق في التجمع السلمي وفي أحيان كثيرة الحق في الحياة. مع الفيروس المستجد طفت على السطح معطيات جديدة، جعلت دول العالم تدرك أنّ هذا الحق لا يقل أهميةً عن باقي حقوق الإنسان، لا بل أنّه حق بحدّ ذاته ووسيلة لممارسة حقوق أخرى. الحق في التعليم نموذجًا، من الحقوق التي لم يتمكن العديد من الأفراد بما في ذلك الأطفال من التمتع به في ظل غياب أو نقص أدوات التكنولوجيا وعدم وجود منظومة تمكن الأفراد من ممارسة هذا الحق في ظل ما فرضته ظروف المرض الطارئ من التوجه نحو التعليم عن بعد، الذي من مقتضيات وجوده وقيامه توفير منظومة تكنولوجية وأدوات تقنية تمكن الأفراد وعلى قدم المساواة من التحول نحو هذا النمط من التعلم والتعليم. اشكاليات حقوق الإنسان وضعف البنية التحتية دائما ما تكون أكثر وضوحًا وبروزًا وخطورةً في الأزمات وحالات الطوارئ؛ حيث تكشف هذه الأزمات عن الاختلالات البنيوية في كفالة وتطبيق وممارسة حقوق الإنسان، كما تكشف عن التفاوتات الاجتماعية وسوء توزيع الثروات وعمق فجوة العدالة الاجتماعية بين طبقات المجتمع ذاته لا بل بين دول العالم أيضا.اضافة اعلان