الحكومة تتجاوز "المطبات" فكيف تستعيد الثقة؟

نجح رئيس الحكومة الدكتور عمر الرزاز في تجاوز مطب "الموازنة"، وبعد أيام طويلة وشاقة من النقد القاسي صوتت الغالبية البرلمانية مع إقرارها، وهذا بالتأكيد لا يشكل مفاجأة. من الواضح أن الحكومة لم تمارس ضغوطاً، ولم تقدم وعوداً من أجل استمالة بعض النواب للتصويت لصالح الموازنة، ولم تطلب "الفزعة" والتدخل لإنقاذها، أو تخفيف الكلام الجارح الذي قاله البعض بحق الرئيس والحكومة. لم أصب بالدهشة بمرور الموازنة بالبرلمان، فلا أتذكر منذ العام 1989 أن موازنة رفضت، وأكاد أجزم أن غالبية الأردنيين لا يستمعون لخطابات الموازنة مهما كانت، والأهم أنهم لا يثقون بأن كل هذا الماراثون يمكن أن ينعكس لتحسين حياتهم. حين يتاح لي سماع بعض خطابات النواب في الموازنة أشعر بالحزن، فاللغة لم تتغير، وذات المطالب والخدمات تعاد كل عام، وتشتهي ان تستمع لخطاب موزون يشخص الأزمة بواقعية، ويقدم رؤية في "الاقتصاد السياسي" قابلة للتطبيق، ويتعامل مع موارد الدولة بدراية، ويفتح لنا كوة للأمل بتوصيات خلاقة. بالتأكيد لن ينصلح حالنا في ظل غياب الأحزاب القوية التي تمتلك رؤية وبرنامجا، فاليوم كل نائب يمثل حزبا، وبرامجه ومطالبه لا تتعدى مصالحه ومصالح ناخبيه، وسنستمر في تدوير الأزمة ما لم نضع طريقا للخلاص، فالشارع يفضل "حل البرلمان" على أن نعيد انتاج نفس الأزمة السياسية. تجاوز الرزاز مطب الموازنة، مثلما تجاوز اختبار الثقة، والأزمات العاصفة التي مرت بحكومته، مثل قضية عوني مطيع، وسيول البحر الميت والجنوب، وتبدو الحكومة الآن، أكثر اطمئنانا بالقدرة على التحرك دون ضغوط، وحديث الرئيس الرزاز لبرنامج "نبض البلد" الذي يقدمه الزميل محمد الخالدي يظهر ذلك. يسلط الرئيس خلال هذا الحوار الضوء على مجموعة من المفاصل التي يعتقد أنها مهمة للشارع، أبرزها أن لا زيادة للضرائب في 2019، ولا يكتفي بذلك بل يشير إلى تخفيض الضريبة على (150) سلعة أساسية، ويمضي لجلب انتباه الناس إلى أن الأهم هو تحسين نوعية الخدمات التي تقدم لهم. لو نجحت حكومة الرزاز بتحسين نوعية الخدمات للناس وشعروا بأثر ذلك، وأخص بالتحديد التعليم والصحة والنقل ولو بشكل جزئي، فإنها تكون قد سارت في أول الطريق الصحيح. تحتاج الناس أن تشعر أن الشعارات التي تطلقها الحكومة تنعكس على حياتها، وبخلاف ذلك فإنها شعارات جوفاء لا قيمة لها سواء كانت تتحدث عن دولة الإنتاج أو دولة المواطنة و سيادة القانون. ما تبقى من محطات أمام الحكومة في الأشهر الباقية من عمرها حتى إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة ليس أكثر صعوبة مما مضى، فهي اليوم أمام استحقاق التعديل الوزاري، وحتى الآن يتمهل الرئيس في إنجازه بعد استقالة وزير التربية والتعليم والتعليم العالي، ووزيرة السياحة على خلفية كارثة ضحايا البحر الميت. الأرجح أن يلجأ الرزاز لتعديل وزاري يتجاوز فقط تعبئة شواغر هذه الوزارات، وهي فرصة جديدة تلوح له لتطعيم فريقه بوزراء يستطيعون أن ينجزوا معه خطة أولويات الحكومة التي يؤمن بها. المعلومات الأولية تشير إلى أن فكرة دمج بعض الوزارات لن تستمر، وبعضها الآخر سيجري مأسسته باعتباره الحل الأمثل، لكن الرزاز يدرك أنه لن يكرر أخطاءه في التشكيل الوزاري الذي أحبط مؤيديه ومحبيه، ولذلك ستخرج أسماء لامعة في التعديل الوزاري. أمام الرزاز محطتان مهمتان عليه أن يتجاوزهما بأمان، الأولى قانون العفو العام، وهو لن يقف معارضا لتوجهات الأغلبية البرلمانية في توسيع شمول جرائم جديدة، ما سيخفف الاحتقان الشعبي. والثانية تعديل قانون الجرائم الالكترونية، وهذا يثير غضب الإعلام ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وسحب القانون وإجراء تعديلات طفيفة إيجابية قبل إعادته للنواب كان خطوة جيدة، لكنها غير كافية، والمطلوب ألا تقف الحكومة حجر عثرة أمام تعديلات جذرية تدعم حرية التعبير والإعلام، بل يجب أن تبعث رسائل لمجلس النواب تساند تجويد وتحسين هذا القانون ليشكل ضمانة للحريات العامة. التحدي الأخير للحكومة مستقبل قانون اللامركزية والانتخاب وهما على الأجندة، وسيجري التعديل عليهما قبل الانتخابات القادمة. قانون الانتخاب لا يعرف "الخلطة السحرية" الجديدة له، أما "اللامركزية" فالأمر لن يتعدى إعادة النظر بآليات التمثيل والانتخاب. ويبقى ويظل ما هو أهم، كيف تستعيد الحكومة ثقة الناس، وتخلق عندهم الأمل بالمستقبل، وهذا هو أبجدية الحل؟اضافة اعلان