الحكومة تسترد باليمنى ما منحته باليسرى

السيولة التي سوف تتدفق بين أيدينا مع بداية العام المقبل، سيولة وهمية الى حد ما، وسوف تقوم ذات الحكومة باستردادها بطريقة او أخرى، وهذه هي الخلاصة التي يمكن الوصول اليها عبر ربط الإجراءات الحكومية، وتأثيراتها ببعضها البعض.اضافة اعلان
خطوة زيادة الموظفين المدنيين والعسكريين، العاملين والمتقاعدين، خطوة جيدة، وأثارت ارتياحا كبيرا كون الحكومات لم تقدم أي زيادات للموظفين منذ سنوات طويلة، لكن سنكتشف لاحقا ان هذه الزيادات سوف يختفي أثرها، بسبب الزيادات المحتملة على الكهرباء والمياه، وهي زيادات سوف ترتد على سعر كل شيء.
اذا كانت الحكومات تقول ان لا ضرائب جديدة، فهي صادقة، لأن تعديل أسعار شرائح الكهرباء والمياه لا يعد فرضا للضرائب، بل تعديلا للأسعار، وتخفيضا للدعم الذي تقدمه الخزينة، وهذا تلاعب لغوي، سوف تثبته الأيام والاسابيع المقبلة.
معنى الكلام هنا، ان كل هذه الزيادات سيتم تمويلها من مسربين، من ذات الذين قبضوا الزيادات عبر استرداد المبالغ، بواسطة تعديل الكهرباء والمياه، ثم من بقية جيوب المواطنين الذين لا يحصلون أساسا على زيادات كونهم غير موظفين، وسوف تصلهم نار تعديلات فواتير الكهرباء والمياه، وكأننا هنا أمام مشهد غريب حقا، تعطيك فيه الحكومة مالا باليد اليسرى، وتسترده باليد اليمنى.
في ظاهر الامر، يبدو هذا الكلام، غمزا من سمعة الحكومة، لكنه ليس كذلك، إذ إننا امام مشهد زاد فيه عجز الموازنة العام المقبل، وصندوق النقد الدولي، لديه اعتراضات كثيرة، ويريد تطبيق وصفات مع بدايات العام المقبل، وتحديدا على صعيد ملف الكهرباء والمياه، كما ان ملفات مثل دعم الخبز، وهو ملف توارى بعيدا ولا احد يعرف عنه شيئا، وملف الإعفاءات الطبية، وغير ذلك، ملفات مقبلة على الطريق، ولم تحسم الحكومة بعد اتجاهاتها في هذا الصدد.
المؤسف ان هذه السياسة تسترضي فئة فقط من المواطنين، أي موظفي الحكومة العاملين والمتقاعدين، باعتبارهم الكتلة الأهم في حسابات الحكومة، ومقابلها سيتم تنزيل قرارات صعبة تنال أولا من أولئك الذين لا يعملون في الحكومة، عبر تعديل أسعار شرائح الكهرباء والمياه، وهنا يتم تعويض موظفي الحكومة فقط ، جزئيا ومسبقا، عبر منحهم زيادات مالية، لكنهم سوف يكتشفون لاحقا، ان مؤشر الغلاء سوف يحرق هذه الزيادات، خصوصا، ان من يتحكم بالأسعار العامة، هو القطاع الخاص، وليس العام، على صعيد السلع والمنتجات والأغذية والعلاج والايجار وغير ذلك، وهو قطاع سيرفع كل أسعاره، ردا على إجراءات الحكومة.
اذا كانت هناك ميزة لهذه الإجراءات الحكومية، فهي جرأتها على زيادة رواتب الموظفين، دون تذرع بقلة الإمكانات، بعد ان عشنا سنوات طويلة يتم فيها رفع سعر كل شيء، دون زيادة أي احد، لكنها بصراحة زيادات ذات غاية وظيفية توطئ لما هو مقبل وآت، وللتخفيف من ردة الفعل العامة، من جانب كتلة موظفي الحكومة العاملين والمتقاعدين، لكنها سياسة عقيمة أيضا اذ تتقصد اقصاء بقية المواطنين، وتعتبرهم خارج مدارات الاسترضاء، وتستعد لفرض قرارات صعبة عليهم، دون أي تفكير بأثرها عليهم، مع التركيز فقط على كتلة موظفي الحكومة.
في كل الأحوال، علينا ان ننظر بأمل من زاوية محددة، ترتبط بقدرة الحكومة على تحريك الاقتصاد عموما، اذا استطاعت ذلك، حتى لا يبقى سلق الحكومات باللسان ولاذع الكلام، هو السائد، وحتى لا تصبح هواية النقد، حرفة عند كثيرين، وعندها علينا ان ننتظر لنعرف اذا كنا على حق، ام على باطل، من حيث كون إجراءات زيادة الموظفين، مجرد تهيئة نفسية للرأي العام، تمهيدا للقرارات الأصعب.
المفارقة هنا ان البعض يعتقد أن نار الإجراءات الأصعب، لن تنال منه، وأن ما يهمه هو زيادته الجديدة، لكن ستثبت الأيام، ان هناك ترابطات، وان أي غلاء سيرتد على الجميع، موظفين وغير موظفين، كون السوق يعد مفتوحا، وواحدا، ولعل الحكومة تمنع افساد بهجة الزيادات، وتتجنب أي إجراءات اصعب العام المقبل، وهو امر يستبعده الخبراء في ظل العجز، وضغوطات صندوق النقد الدولي.