الحكومة والديوان والناس

في مقال أول من أمس عن مجزرة الأطفال في أبو علندا تساءلت عن دور وزارة التنمية الاجتماعية، وتحدثت بالمناسبة عن حالة بين يدي هي لأب لثلاثة أطفال يعاني من حالة مرضية نفسية وصدر عليه حكم بالسجن والغرامة وإخلاء "الخشّة" التي يسكنها.

اضافة اعلان

أول من أمس تلقيت اتصالا من وزارة التنمية الاجتماعية لتوضيح أن الوزارة ليست طرفا ذا مسؤولية في الموضوع، ولم أتلق أي اتصال من الناطق باسم الحكومة معالي الصديق ناصر جودة الذي كنت قد تمنيت عليه في المقال الاهتمام بمتابعة الحالة المعنية مادام قد وعد صاحبها بذلك منذ أسبوع على أثير الإذاعة، وعلى كل حال كنت أنوي إيصال ملف القضيّة له في اليوم التالي.

وأمس تلقيت اتصالا من جهة لم تخطر على بالي ولم ترد لها أي إشارة في المقال، فقد بادر الديوان الملكي بالاتصال بي وقيل لي إن جلالة الملك مهتم بما تناوله المقال وفوق ذلك سوف يتولون أيضا الحالة التي أشرت لها.

قلت في داخلي هذا اتصال يفشّ الغلّ حقا.

لنتخيل مصير الملف الذي كنت أنوي إيصاله للحكومة! في أحسن الأحوال سيهتم معالي الوزير بتحويله الى الجهة التي يفترض أن تكون معنية بالقضيّة، وسوف يعود الى نفس الدائرة التي سلكها بين الزراعة والمالية والداخلية وسينتهى الى لا شيء على الأرجح لأن الأمر محسوم من الزاوية القانونية فهناك قرار قضائي بإخلاء الغرفة المبنية على أرض للخزينة وحكم بالسجن والغرامة على الأب وليس هناك جهة مسؤولة أو مخولة بحلّ المشكلة. لكن ماذا عن حقيقة وجود ربة منزل لا تقرأ ولا تكتب ولا تفهم شيئا مما تورط فيه زوجها وثلاثة أطفال ضحايا لا يعلم إلا الله ما سيحدث لهم؟! من سيهتم ويقرر بشأنهم؟! ومع تقديري لإيعاز وزيرة التنمية الاجتماعية للاتصال بي لشرح وجهة نظرها أن الوزارة ليست الجهة المسؤولة عن الخطر على حياة الأطفال، فإنني لأتعجب أنها لم تقلق بشأن الحالة المحددة التي أشرت لها وهي كسيدة لا بدّ أنها أكثر حساسية تجاه القضايا الأسرية، لكن العمل الحكومي كما يبدو يؤطر الذهن بطريقة معينة، وكنت شرحت للصديق حسين العموش بالمقابل أنني لا أتهم الوزارة بأي تقصير بل أحرّض على وضع تصور لإدارة المسؤولية عن المخاطر بوجود أولياء أمور أطفال قد يكونون مرضى نفسيين لأن هذا النوع من المسؤولية غير واضح ولا أرى جهة يمكن أن تهتم بالأمر أكثر من وزارة التنمية الاجتماعية وليكن بالشراكة مع جهات أخرى.

أتفهم أن عمل الوزارات يخضع لآليات بيروقراطية تجعل المسؤولين مغلولي اليد وخصوصا في الإنفاق على قضايا طارئة من نوع أو آخر بعكس الحال في الديوان الملكي حيث يمكن أخذ القرارات وتنفيذها على الفور وحيث لا مجال للعاملين تحت قيادة جلالة الملك سوى العمل بأقصى كفاءة وفعالية. لكن لا نريد أن يبقى التبرير سيد الموقف.

خدمة الناس بأفضل طريقة هو الأساس. وأتخيل إدماجا مبدعا بين آلية عمل الديوان الملكي (تفشّ الغلّ حقا) وآلية عمل المؤسسات العامّة (تفزر المرارة)، وبعبارة أخرى يجب الموازنة بصورة خلاّقة بين الضوابط والنظام من جهة والفعالية والإنتاجية من جهة أخرى.

[email protected]