الحلول متوفرة للمدن الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ

دومينيك تشارون و باربرا شنستون*

تساهم المدن بشكل كبير في تغير المناخ، إلا أنها تمتلك القدرة على تغيير العالم. كما أنها تمثل أحد العوامل الرئيسة في معالجة التأثيرات العالمية المترتبة على أزمة تغير المناخ، وقد بدأت بعض هذه المدن بالفعل العمل بهذا الاتجاه استنادا إلى حلول علمية مدروسة، مما يوجب على عدد أكبر منها أن تحذو هذا الحذو. اضافة اعلان
ويشكل خروج ملايين الناس في جميع أنحاء العالم في تظاهرات احتجاجية للمطالبة باتخاذ خطوات حقيقية لمجابهة تغير المناخ تعبيرا عن الرغبة الشديدة والقدرة المرتفعة على إحداث التغيير. وستتصدر هذه المطالب أولويات مؤتمر الأمم المتحدة الخامس والعشرين لتغير المناخ (COP25) لعام 2019، والمعروف باسم مؤتمر الأطراف، الذي يعقد في الفترة من 2 إلى 13 كانون الأول (ديسمبر) في مدريد، أسبانيا. ويجمع هذا المؤتمر خبراء من أنحاء العالم لمناقشة حلول ولخلق زخم يدفع بهذه الحلول الى حيز التطبيق ومتابعة التقدم المحرز نحو تلبية الالتزامات المترتبة على اتفاقية باريس للمناخ.
وعلينا أن نغتنم مثل هذه الفرص لتعزيز التعاون وتبادل الحلول على ضوء استمرار اتساع نطاق وتكرار الأزمات المرتبطة بتغير المناخ.
ويساهم الدمار الناجم عن الأحداث المناخية القاسية في تنامي المطالب التي تدعو إلى اتخاذ إجراءات حقيقية على مستوى العالم لمجابهة تغير المناخ، وتعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معرضة بشكل خاص لتغير المناخ، ويتضح هذا من الفيضانات في جدة إلى الجفاف المستمر منذ العام 1998، وموجات الحر القاتلة في الكويت وارتفاع مستويات سطح البحر التي تهدد المواقع الأثرية في مدينة الإسكندرية الساحلية في مصر.
وسيواجه سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تأثيرات لتغير المناخ من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والبيئية تكون أكثر حدة نسبيا مقارنةً ببقية دول العالم. كما سيكون سكان المناطق الساحلية المنخفضة في تونس وقطر وليبيا والإمارات العربية المتحدة والكويت وعلى وجه الخصوص في مصر الأكثر عرضة للخطر، وفقًا لآخر تقييم للجنة الدولية للتغيرات المناخية (IPCC).
يمثل تغير المناخ مصدر قلق عاجل ويترتب عليه آثار ملموسة على كل شخص على وجه الأرض. لذا فقد آن الأوان لمجابهته.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: "لماذا التركيز على المدن، وفي هذا الوقت بالتحديد؟". والإجابة هي: "بسبب تسارع وتيرة التحول إلى حياة التحضر".
بحلول العام 2050، سيعيش ثلثا سكان العالم في المدن، وهي بالفعل موطن لأكثر من نصف سكان العالم. كما أن المدن تحتضن معظم البنية التحتية والأصول المالية والنشاطات الاقتصادية، اضافة إلى أنها تستهلك 78 % من الطاقة العالمية وتتسبب في أكثر من 60 % من انبعاثات غازات الدفيئة. وفي نفس الوقت، تشكل المدن 2 % فقط من سطح العالم.
وهناك أدلة جمة لإطلاع الحكومات المحلية والوطنية لتقوم بالتالي بتصميم مدن قادرة على الصمود والحد من التأثيرات الناجمة عن تغير المناخ. أما بالنسبة للفئات الضعيفة ممن يعيشون في المدن وما حولها، وخاصةً النساء والفتيات، فقد يشكل هذا مسألة حياة أو موت.
ويجب على المدن الاستثمار في الأبحاث لفهم التحديات التي تواجه كلا منها، وكيفية تأثيرها على مواطنيها، وإيجاد الحلول المحلية الأنسب حسب طبيعة السياق السائد فيها.
وتسببت الفيضانات في الأحياء الفقيرة في مدينة أكرا، عاصمة غانا، في الوفيات ودمرت المنازل وتسببت في ازدياد خطر الإصابة بالملاريا والأمراض المنقولة عن طريق المياه مثل الكوليرا. وفي تلك المدينة، تدير دوريندا جرانت روضة أطفال في منطقة تبعد خطوات فقط من قناة للصرف الصحي. وعند هطل الأمطار، تتسرب المياه القذرة عبر الجدران.
وتؤكد دوريندا إن الوضع أصبح أسوأ في السنوات الأخيرة بسبب تغير أنماط الطقس. ومن خلال العمل مع دوريندا وجيرانها، درس الباحثون النماذج العالمية والإقليمية حول تغير المناخ ووضعوا سيناريوهات مناخية يمكن حصولها لإطلاع صناع السياسات في غانا ومساعدتهم على وضع تصميم وميزانية لبنية تحتية أفضل للمياه كالجسور ومصارف المياه والصرف الصحي وإمدادات المياه وأنظمة الري.
وهناك العديد من الحلول منخفضة التكلفة للتكيف مع تغير المناخ في المناطق الحضرية. وتعتمد هذه الحلول على أساليب طبيعية ولا تحتاج الى تكنولوجيا متطورة. ففي مدينة يومبو الصناعية الصغيرة، في كولومبيا، استخدمت البنية التحتية الخضراء للتخفيف من أثر الفيضانات. كما استبدلت الطرق المعبدة بطرق خضراء مسامية تتيح ترشيح المياه وتقلل آثار الجزر الحرارية في الحضر. وقد أظهرت النتائج أن هذه الأساليب تؤدي إلى التقليل بشكل كبير من مخاطر الفيضانات المحلية.
توجد حلول أثبتت نجاعتها وتدعمها أسس علمية دقيقة لمقاومة العديد من الصدمات المناخية والضغوط التي تواجه المدن المعرضة للخطر. ومنذ سنوات، يعمل القائمون على التخطيط الحضري والقادة في جميع أنحاء الجنوب العالمي لبناء قدراتهم على التنبؤ والتكيف والمثابرة في الجهود.
وبالإضافة إلى هذه الجهود، هناك حاجة إلى تمويل آمن على مستوى المدن لمجابهة تغير المناخ. وستؤثر قدرة المدن على الصمود وقدرتها على التكيف في مواجهة تغير المناخ على تحقيق الأهداف العالمية المتعلقة بتغير المناخ والتنمية المستدامة.
ولا يجب أن يؤدي التركيز اللازم على الاستجابة للأزمات المتمثلة في تعرض مدينة ما للفيضانات وهطل كميات قياسية من الأمطار وغيرها من الأحداث المناخية القاسية والمدمرة إلى حجب الرؤية عن الصورة الأشمل، والتي تكشف عن المساحة المشتركة بين التحديات والحلول الموجودة في جميع أنحاء العالم.
وإذا أردنا الوفاء بالالتزام العالمي بـ "عدم إغفال أحد"، فسيكون من الواجب علينا معالجة الأبعاد المتعددة التي تسهم في الفقر الحضري والضعف وعدم المساواة. وهذا يعني تعزيز الالتزام بمناخنا العالمي وهذا ما سيتم عرضه في مؤتمر الأمم المتحدة الخامس والعشرين لتغير المناخ (COP25) في مدريد بحيث يغذي الأجندات المتعلقة بالسياسات والأبحاث والاستثمار في جميع أنحاء العالم بالحاجة الماسة لاتخاذ إجراءات عملية.

*دومينيك تشارون هي نائب الرئيس لشؤون البرامج والشراكات في مركز أبحاث التنمية الدولية.
*باربرا شنستون هي المديرة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز أبحاث التنمية الدولية.