الحل الملكي: طاولة الحوار

خلال لقائه أبناء الطفيلة، أكد جلالة الملك عبدالله الثاني أن الإصلاح السياسي لا يقلقه، وأن مخاوفه الحقيقية نابعة من الهم الاقتصادي، وفي هذا تقدير لمدى تعقد المشهد الاقتصادي واتساع مشاكله. الهواجس الملكية محقة، فالإصلاح السياسي وإن كان يمر بمخاض عصيب خلال الفترة الحالية، مرده الموقف من قانون الانتخاب، إلا أن إعادة فتح الحوار حول القانون يمكن أن يساعد في الوصول إلى منطقة وسط ترضي غالبية القوى السياسية، وتضع قاعدة متماسكة للبدء بالإصلاح السياسي والتأسيس لمرحلة جديدة في إطاره. والملاحظات على قانون الانتخاب باتت معروفة، ومراجعتها متاحة وهيّنة، فيما لو اتفقنا على أن الهدف من القانون يتمثل في الإصلاح السياسي وليس تهميش أو تكسير طيف سياسي بعينه.اضافة اعلان
المراجعة تقوم على إعادة النظر في القائمة الحزبية المغلقة لتكون وطنية مفتوحة، بدون وضع حد لممثلي الحزب الواحد، وإتاحة الفرصة للأحزاب الناشئة والشخصيات الوطنية لاجتياز خط النهاية للجلوس تحت القبة، لتصبح جزءا من اللعبة السياسية.
النقاط الخلافية الأخرى تتعلق بعدد مقاعد القائمة الوطنية، والتي يفترض رفعها لضمان زيادة حصة المعارضة في البرلمان بنسب ممثلة للقوى على أرض الواقع، إضافة إلى إعادة النظر في ما سمي "النائب التعويضي"، ووضع حلول لقضية الحقوق المكتسبة بعيدا عن المقترحات التي تشوه صورة مجلس النواب المقبل.
ومن المسائل التي يمكن مراجعتها اشتراط أن لا تقل عضوية المرشح في الحزب عن عام، كما مدة تأسيس الحزب، لاسيما أن المفهوم من هذه النقطة الأخيرة يتمثل في تحييد الأحزاب حديثة التأسيس، وتحديدا تلك التي أفرزها الربيع الأردني.
الإصلاح السياسي لا يقلق الملك الذي أكد غير مرة أنه مع الحراك ومطالبه. والتقاط رسالة الملك يفرض على السلطات الأخرى وضع معادلات تشجع الحراك على العمل السياسي، من خلال إلغاء محددات مشاركة ناشطيه، وتحديدا في الانتخابات، خصوصا أن فتح الأبواب لسماع صوتهم سيجعلهم أكثر تنظيما، بما يوسع دائرة العمل الحزبي ويضعف التفرد الحاصل في المشهد الحزبي المحلي.
الملك قدم الوصفة السحرية في التعامل مع الحراك، وهي الجلوس إلى الطاولة للحوار، بعد أن أوعز بالإفراج عن موقوفي أحداث الطفيلة والدوار الرابع، وبث رسالة قوية أن الأمن الخشن والحل الأمني لم يعودا ينفعان في ظل المرحلة الراهنة، خصوصا أن تهميش وتكسير شباب الحراك لن يجلب النتيجة التي تتطلع إليها الدولة، من سير سلس لمسيرة الإصلاح.
أما الملف الأخطر والذي تتعقد المسائل عند البحث عن حلول له، فيتمثل في الإصلاح الاقتصادي، الذي تعطل منذ أكثر من حكومة؛ إذ نجد الحكومات عاجزة أمامه. وما يصعّب الحالة، الظروف الإقليمية والمحلية التي تزيد من قتامة المشهد. والتخفيف من المشاكل الاقتصادية، وتحديدا الفقر والبطالة، يحتاج إلى موارد مالية لإقامة مشاريع في المناطق المهمشة. وهذا يتطلب انتظار ما ستقدمه الدول العربية الشقيقة من منح ومساعدات؛ وهذا الدور يعتمد دائما على جهود الملك وعلاقاته مع الدول العربية.
أما الجزء الثاني من الحل، فيتطلب جهدا حكوميا لوضع برنامج إصلاح وطني يخفف من التشوهات التي تتفاقم يوما بعد يوم، مع الاعتراف بمحدودية الجهود المبذولة لهذه الغايات.
إقرار برنامج الإصلاح الاقتصادي ليس مسألة سهلة، بل يحتاج إلى دراسة بعناية وتدقيق في تفاصيله ليكون جاهزا بالتزامن مع انطلاق المرحلة الجديدة من الإصلاح السياسي بعد انفراج الأزمة الحالية إن سارت الأمور بسلاسة. وهذا ليس صعبا إن توفرت الرغبة في ذلك. قد توصف هذه الفترة بأنها الأكثر حساسية وحسما في مسار الإصلاح في الأردن، وتجاوزها يتطلب رؤية عميقة للبدائل في حال انحرفناعن الفكرة الأساسية المتمثلة في الإصلاح السياسي والاقتصادي الحقيقيين.