الحل في لندن يبدأ من جنيف

بين مؤتمر المانحين لأزمة اللجوء السوري، الذي عقد في الكويت في آذار (مارس) 2015، وبين مؤتمر المانحين في لندن، المقرر الخميس المقبل، اقل من عام فقط، لكن أيام واشهر هذا العام، شهدت تفاقم أزمة اللجوء والنزوح السوريين، حيث ازدادت اعداد النازحين داخل سورية، واللاجئين الى خارجها، بفعل تواصل الأزمة والحرب على الارض، وعدم الوصول الى حل سلمي لها.اضافة اعلان
من حق الدول المستضيفة للاجئين السوريين، وعلى رأسها الأردن ان تراهن، وان تضغط باتجاه مساعدتها من قبل الدول الكبرى والمجتمع الدولي، لمواجهة اعباء اللجوء السوري، الذي فاق، بالنسبة للأردن تحديدا، كل التوقعات والاحتمالات مع وصول اعداد اللاجئين إلى أكثر من مليون لاجئ.
مع ذلك، فان التحليل الواقعي يشير إلى أن كل المساعدات الدولية والعربية للأردن، لم تقدم الا القليل من الدعم مقابل حجم الاعباء الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والامنية، التي تقع على كاهل المملكة منذ نحو ست سنوات، ويتوقع لها ان تتواصل الى امد غير منظور.
الأردن يراهن اليوم على مؤتمر لندن، في ان يقدم مساعدة حقيقية وملموسة للمملكة، خاصة وان المجتمع الدولي يضغط باتجاه فتح سوق العمل أمام اللاجئين السوريين في دول الجوار، واقامة مشاريع تشغيل لهم، ما ينتظر معه الحصول على حوافز للبلد المضيف وابنائه، تقلل من حجم المعاناة التي تحملها ويتحملها هذا البلد جراء استضافة العدد الهائل من اللاجئين.
وحسب تقديرات الأمم المتحدة فان وكالاتها المختلفة تحتاج هذه السنة إلى 7.73 مليار دولار، للتعاطي مع تداعيات الأزمة السورية، كما تحتاج إلى 1.2 مليار دولار لمساعدة دول الجوار. هذه الارقام الكبيرة سبق وان اثبت المجتمع الدولي تقصيره في تأمينها كاملة وبصورة متواصلة، ما ادخل اعمال الوكالات الاممية، التي تقدم خدمات اغاثية للاجئين السوريين، في ازمات متتالية، واضطرارها الى ترشيد وتقنين انفاقها وخدماتها.
المفارقة المخزية هي في ان العديد من اقطاب المجتمع الدولي والاقليمي كانوا "سخيين وكرماء" في تمويل الحرب والجماعات المسلحة والارهابية في سورية، بعشرات مليارات الدولارات، عبر شحنات لا تنضب من الاسلحة والرجال والمقاتلين والمخصصات المالية على مدى السنوات الخمس الماضية، حتى باتت سورية تضم في جنباتها امارات حرب، تملك اسلحة وذخائر لم تحلم بها الجيوش العربية في حروبها السابقة مع اسرائيل! الا ان هذا السخاء على الحرب وتمويل تواصلها، لم يقابله 1 % من الدعم الاغاثي والانساني لضحايا هذه الحرب المجنونة، التي يخوضها على الارض وكلاء محاور دولية واقليمية، وعلى حساب الشعب السوري واستقرار المنطقة وشعوبها كلها.
ولأجل هذه المفارقة، اعتقد ان الحل المنشود في لندن نهاية الاسبوع، مكانه الاساسي في جنيف، حيث مباحثات السلام بين الحكومة السورية ومعارضيها برعاية الامم المتحدة، وهي المباحثات التي تشير معطيات ومؤشرات عديدة الى انها ستكون صعبة وطويلة، ومحفوفة بالخطر والفشل من كل جانب، الا انها تبقى الامل الوحيد، والطريق الرئيسة وربما الوحيدة، لانهاء المعاناة الانسانية الكبيرة، التي يعيشها الشعب السوري، في الوطن وفي المنافي الواسعة.
لا يمكن التقليل من أهمية مؤتمرات المانحين، وضرورة تكثيف المساعدات الانسانية والاغاثية للشعب السوري، بلاجئيه ونازحيه، ولدول الجوار المستضيفة لملايين اللاجئين، بل ومطلوب من المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته في هذا السياق، لكن المطلوب أكثر اليوم، والأكثر الحاحا وجوهرية، هو الضغط الدولي الحقيقي باتجاه انجاز اتفاق وحل سياسي للازمة السورية، ووقف شلال الدم والدمار المنهمر هناك، والحد من "السخاء" الدولي والاقليمي في تمويل ودعم امراء الحرب وميليشياتها في سورية.