"الحياة في سبيل الله"

في المعلومات التحقيقية على خلفية محاولة الهجوم التي شهدها مطار أورلي في إحدى ضواحي باريس، أن منفذ محاولة الهجوم ويدعى زياد بن بلقاسم (39 عاما)، كانت آخر كلماته قبل أن تقتله قوات الأمن الفرنسية "أنا هنا من أجل الموت في سبيل الله". اضافة اعلان
هذه واحدة من عشرات، وربما مئات، القصص لشباب يمارسون الموت باسم الدين والإسلام في طول العالم وعرضه، وقبل أكثر من عام صدمنا بجريمة ذبح القس الفرنسي جاك آميل (84 سنة) تحت نفس الخطاب والمبررات. هذا القتل الذي يمارسه، في الأغلب، عرب أو إسلاميون من شعوب أخرى، ويتم باسم الإسلام، لن يفيد، لا كثيرا ولا قليلا، ثقافتنا الذرائعية التي تعلن أن هؤلاء لا يمثلوننا ولا يعبرون عن الإسلام. ما حدث، تحديدا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، يحتاج معجزة حتى نغتسل منه. وحتى نغسل الاسلام مما لحق به بفعل هذا الشذوذ التاريخي.
صحيح أن مبدأ "الموت في سبيل الله" مبدأ أصيل في فهم الإسلام التاريخي، ولكننا سنمارس اجتزاء كارثيا ومغالطة كبرى حينما نفصله عن روح الإسلام التي تدعو في كل تفاصيلها إلى "حياة في سبيل الله"، وهو مبدأ بالتأكيد أعظم من المبدأ السابق. علينا أن نراجع كيف مارس التعليم خلال أكثر من نصف قرن  تشويه وعي أجيال من الشباب العرب والمسلمين، وكيف أكمل كل من السياسة والإعلام هذا الانحراف الكبير.
لا شيء يساوي إهدار حياة البشر المسالمين وتهديد حقهم في الحياة؛ لا شيء أبدا؛ لا البحث عن المجد، ولا رد الظلم والمظالم، ولا ادعاء الحرب باسم الله، ولا دفاعا عن الديمقراطية أو طلبا لها. فحق الإنسان في الحياة يتقدم على أي حق آخر، ولا توجد أي ذريعة تبرر الاعتداء عليه أو المس به.
صحيح أن البشرية توصلت إلى هذا الاستنتاج بعد قرون من الظلامية ومن حروب المجتمعات المتحضرة التي طحنت عشرات الملايين من البشر. وللإنصاف، قدمت المجتمعات المسلمة نماذج نبيلة في حماية حق البشر في الحياة خلال الحروب الكونية التي أظهرت أسوأ ما في البشرية في القرن العشرين، وخلال حروب الاستعمار وحركة إبادة ونهب شعوب جنوب العالم، إذا ما استثنينا مثال الأتراك والأرمن؛ فتلك أمثلة من عهود حديثة، وليست من زمن الإسلام الأول، حيث ما تزال خطبة الوداع ووصايا الرسول عليه السلام تتردد في مسامع الناس.
هناك محاولات فكرية متعددة للبحث عن جذور ثقافة الموت التي تهيمن على ممارسات الإسلام السياسي المعاصر بشكل عام. وكثيرا ما تذهب تلك الأمثلة إلى أزمنة التأسيس، وأخرى للثقافة البدوية والصحراوية. وجميعها فرضيات فيها الكثير من الغلو والتطرف المقابل، والتي تتجاوز حركة التاريخ وما تمر به من موجات مرتفعة وأخرى هابطة. ولم تأخذ في الحسبان حجم طغيان لعبة السياسة والدين، ودورها في غرس جذور العنف.
الثقافة السائدة في أوساط الإسلام السياسي المعاصر، عموماً، منذ سبعينيات القرن الماضي، لا تحتفي بالحياة، فهي ثقافة موت، قامت بإعادة إنتاج فكرة الشهادة، بأن أخرجتها من سياقها الروحي والتاريخي. وهذا توظيف سياسي خالص وقع في شركه الإسلاميون في فترات متعددة من التاريخ.
إن أكثر دول العالم التي أبقت على عقوبة الإعدام هي دول عربية وإسلامية. وأكثر أربع دول في العالم يمارس فيها الإعدام اليوم هي دول عربية وإسلامية. الاعتداء المفجع على الحياة تمارسه السلطات والمجتمعات معا. وكما استخدمت عقوبة القتل لصالح النظم الحاكمة في الماضي، يستخدم الطامحون للسلطة القتل تحت عناوين البراء والردة وغيرهما من اختراعات سياسية قديمة وحديثة.