الخبرة والوظيفة.. تناسب عكسي!

لا يوجد منطق في المعادلة: كلما زادت الخبرة، قلت فرص الحصول على الوظيفة. هذه معادلة فاسدة، ومن الممكن لأي شخص أن يدحضها. لكن مهلا، نحن نتحدث عن الأردن وما يشابهه من البلدان التي لم تستطع أن تبني أنظمة اقتصادية حقيقية. في البلدان الحية، والاقتصادات المتقدمة والناهضة، تمثل الخبرة امتدادا لتواصل الإبداع والابتكار والإنتاج. تلك معادلة بسيطة في البلدان المتقدمة والوسيطة، كونها استطاعت أن تطور أنظمة اقتصادية متنوعة، أشركت فيها الخدمي بالإنتاجي، وفتحت الآفاق أمام جميع الخبرات للمساهمة في هذا الاقتصاد. حسن إذن، هذا في حال التنوع، فما هي حظوظ الخبرات في الاقتصادات التي افتقرت للتنوع، واضطرت أن تتماشى مع أنظمة اقتصادية محصورة في نمط معين، خصوصا الخدمي منه؟ في الأزمات الاقتصادية القوية، نرى كيف يمكن للشركات أن تضحي بالخبرات لديها من دون أي مجهود، وبلا حساب للثمن التراكمي الذي يمكن أن يدفعه البلد لقاء تعطيل جهود هؤلاء. رأينا ذلك في الأزمة الاقتصادية في العام 2008 وما تبعها، كما رأيناها مؤخرا في الأزمة التي أحدثتها جائحة كورونا. والمحبط أنه ما من أحد يسأل نفسه عن كلفة مثل هذا الأمر على الاقتصادات الوطنية على المدى البعيد! في الأردن مثلا، يغيب الاقتصاد الإنتاجي بمعناه الحقيقي، ويقتصر عمل الأيدي العاملة على اقتصاد خدمي يوفر حدا أدنى من العمالة. لكن المشكلة تكمن في أولئك الذين تتوسع مداركهم، ويتحصلون على خبرات واسعة تتعاظم مع مرور السنوات. أولئك محكوم عليهم بالبطالة في اللحظة الأولى التي يخسرون فيها وظيفتهم الحالية، فثمة بدلاء جاهزون لملء فراغ الوظيفة، والأمر المفرح للشركات أن البدلاء يمكن لهم العمل بثلث راتب الخبراء! هذه معضلة حقيقية، ففي حين تتأسس اقتصادات البلدان الصناعية التي تنتهج مبدأ الإنتاج المفتوح للعالم كله على مثل هؤلاء الخبراء، وتعول عليهم للتقدم في مجالات التصنيع والإنتاج، يمثل هؤلاء الخبراء وبيوتات الخبرة لدى بلداننا معضلة كبرى، فالاقتصاد الخدمي لن يمنحهم ما يستحقونه من مكانة فيه، والمحزن أنه يمكن الاستعاضة عنهم بمبتدئين، وبمقابل ضئيل. هذه هي لعنة الاقتصادات الخدمية والمحدودة والمشوهة. دائما ما تتذرع بمبدأ جوهري لكي ترمي بالخبراء خارج أسوار الوظيفة والتشغيل، وهو مبدأ بسيط جدا يتحدد بثلاث كلمات: «خبراتك فوق المطلوب»! مبدأ البلدان التي تقدم اقتصادا خدميا بحتا، يشبه إلى حد كبير مبدأ التعامل مع الخيل التي تهرم، والتي اقترحنا لها اسم «خيل الإنجليز»، التي يتم قتلها حين تصل إلى نقطة ما، على اعتبار أن ما وراء تلك النقطة لن يكون ذا فائدة لصاحب تلك الخيل. لكن الأمر ليس كذلك في حال أولئك الذين امتلكوا «خبرات فوق المطلوب»، فتشغيلهم يتطلب مقابلا ماليا لا تحب الشركات والمؤسسات أن تدفعه، وهي على استعداد للقبول بأشخاص آخرين لا يمتلكون ثلث الخبرات لكي يمنحوهم الوظيفة، ما داموا قادرين على «تخفيض النفقات»، وهو المصطلح السحري الذي يحبه رجال الأعمال والمستثمرون.اضافة اعلان