الخبز، والأفيون، والسطو على البنوك..!

السطو على البنوك شيء جديد علينا في الأردن، كنا نراه فقط في أفلام الغرب الأميركي أو الأفلام الأعقد عن الخطط المحكمة ومتعددة الأدوات و"المواهب" لسرقة بنك. ومع أن معظم حوادث السطو على البنوك في الأردن ما تزال فردية وخائبة، إلا أنها تثير القلق. لم يسقط ضحايا من الموظفين أو العملاء بحمد الله حتى الآن، ولم يُحتجز رهائن. لكن تواتر هذه الحوادث ورعب المرور بالتجربة أصبحا يخيفان البعض من زيارة بنوكهم. ويضاف ذلك إلى الخوف الأكبر من ارتفاع مستويات العنف ومظاهر تهديد الأمن الشخصي الأخرى.اضافة اعلان
أقرب تفسير فكر فيه الناس لحوادث البنوك، هو أنها تعبيرات عن اليأس بعد الارتفاعات الأخيرة في الأسعار والضرائب. وفي بعض الأحيان، عبَّر البعض عن تعاطف مع السارقين الذين يُكتشفون بسرعة. وفي الحقيقة، لا أحد يتعاطف مع الجريمة لأي ذريعة. ولكن حتى هذه المماحكة –ولو أنها غير جادة- تفصح عن اختلال في اليقين الاجتماعي. ففي العادة، لم يكُن الفقر يرتبط لدينا بسوء السلوك وانحطاط الأخلاق، بل العكس. لكنّ لاختلال السلوك علاقة أكبر بالشعور بالظلم، وبأن الواقع الصعب ليس قسمةً، وإنما مصنوع وهناك مسؤولون عنه. والشعور بالظلم تفسير معقول للجنوح والعنف والتطرف.
في الولايات المتحدة مثلاً، ارتفعت معدلات جرائم السطو على البنوك في العقد الأخير. ويعزو الخبراء هناك جزءاً من السبب إلى ما يسمونه "الأزمة الأفيونية". ويعني ذلك ارتفاع عدد الأشخاص الذين يدمنون على الأفيونات. ويقول خبير هناك: "إذا كان لديك مرتكب لديه مشكلة هيروين، فإنه سيكون في حالة يائسة. إنهم يبحثون عن أسهل شيء يمكنهم العثور عليه" للحصول على المال لتأمين حاجتهم من الأفيونات. وبطبيعة الحال، لا يبدو أن السطو على البنوك لدينا يتعلق بالأفيونات، وإنما يربطونه هنا باليأس للحصول على "الخبز" الحقيقي والمجازي، بما يرمز إليه من الحاجات الأكثر أساسية بكثير من الهيروين.
من المهم عدم النظر إلى ظاهرة السطو على البنوك الجديدة في البلد كظاهرة معزولة. فقد سبقها كثير من مظاهر الجنوح والخلل السلوكي الجديدة نسبياً أيضاً، مثل ارتفاع مستويات القتل، والانتحار، والمشاجرات الفردية والاجتماعية، وسرقة السيارات، وعصابات الخاوات، وتهريب المخدرات، وحتى السلوك الأرعن في السياقة. والأهم من ذلك كله، ثمة الميل إلى التطرف القبائلي والديني في اتجاهات تشجع على العنف ضد الآخر. ويبدو كما لو أن العقد الاجتماعي بين المواطنين، وبينهم وبين الدولة قد انفرط، وأصبح كلّ منهم يعثر لنفسه على قيَم وتفسيرات وتعريفات خاصة للمجردات والماديات حتى ذابت المشتركات.
البحث عن الخبز، أو الأفيون أو تحقيق أي حاجات بالجريمة هو انحراف مدمر للذات والمجتمعات، ولا يمكن التعاطف معه والاكتفاء بتفسيره. ومن المهم –وجودياً- البحث عن أسباب الجنوح والتعامل معها. وهذه مسؤولية كل الأطراف الواعية؛ المجتمع المدني والإعلام والحكومة. ومن المنطقي التفكير في أمور عملية مثل ضبط انتشار الأسلحة، والصرامة في تطبيق القانون والإصرار على سيادة حكم القانون. في مسألة البنوك، ينجح الأميركيون في الحد من السطو عليها بوسائل عملية، مثل استخدام نوافذ الزجاج المقاوم للرصاص في البنوك، وتحسين تبادل المعلومات بينها ونشر صور المشتبه بهم على الإنترنت، كما يقول أحد التقارير عن هذه المسألة. "كما تستخدم معظم البنوك إما عبوات صباغ متفجرة في الحزم النقدية، أو زرع أجهزة تتبع تعمل بنظام تحديد المواقع في النقود، لمساعدة قوات إنفاذ القانون على تعقب المشتبه بهم". بالإضافة إلى "تحسين تقنية التقاط الفيديو للسماح بالحصول على صور مفصلة للغاية للمشتبه بهم"، كما يقول التقرير.
ربما تفكر المصارف وأجهزة الأمن المحلية في هذه الخيارات أو ما يشبهها لردع حرامية البنوك. ومن المهم البدء سريعاً بتأمين البنوك بهذه الوسائل أو أشباهها. ليس من المعقول أن يخاف المواطن من ارتياد بنكه أيضاً، أو السماح للظاهرة بأن تتطور إلى حد سقوط ضحايا، لا قدر الله.
لكن الأهم هو التعامل مع قصة البنوك ضمن السياقات التي تفضي إلى الجريمة بمختلف مظاهرها، وتعقب أسباب الاختلال في الشخصية الاجتماعية والسلوكية. وعند هذا المستوى، يلزم أكثر من الزجاج المقاوم للرصاص في البنوك لحماية الناس والبلد. وقد قيل حول ذلك الكثير حول اليأس المرتبط بالظلم، لكن العمل قليل.