الخروج من عباءة "الإخوان المسلمين"

تعيش الحركة الإسلامية في الأردن ربما أسوأ أوضاعها منذ تأسيسها، وهذا لا يعود إلى أزمتها وصراعها الدائم مع السلطة، فهذا الأمر تكيفت عليه، وأتقنت إلى حد كبير آليات التعامل معه، بل كانت تستفيد منه حتى تبدو بمظهر "الضحية" فتكسب تعاطف الشارع والرأي العام.اضافة اعلان
هذه المرة أزمتها الطاحنة داخلية، وهي لم تعد قادرة على ما يبدو بالإمساك بخيوط اللعبة، والحفاظ على التوازنات بين "الصقور" و"الحمائم" وما سمي لاحقاً "الوسط الذهبي"، فقد انفرط العقد بدءا من الجماعة الأم "الإخوان المسلمين"، وهو يتمدد بهزات ارتدادية ليطال حزب العمل الإسلامي.
هناك من يرى مبالغة في الحديث عن انقسام كبير داخل "جماعة الإخوان"، وهم يسترجعون تاريخ 25 عاماً منذ عودة الحياة الديمقراطية في البلاد، حيث تعرضت الحركة الإسلامية لانشقاقات كثيرة، أغلبها بفعل الاحتواء الحكومي، أو لاختلاف مع توجهات وقرارات الجماعة، وفي كل مرة لم تكن أكثر من فقاعة انتهت ولم تستمر طويلاً، ويذكّرون بشخصيات بارزة في الإخوان خرجت على أوامر الجماعة وقررت الترشح للانتخابات حين قاطعوا، بعضهم فاز وآخرون خسروا، ولكنهم في الغالب لم يتركوا أثراً في الحركة الإسلامية ولم يستمروا في واجهة المشهد السياسي، وحتى من استقطبتهم الحكومة وأصبحوا وزراء دون رضى ومباركة من الإخوان لم يفعلوا شيئاً لافتاً.
بصراحة لا يدرك الذين يقللون من العاصفة التي تضرب الحركة الإسلامية الآن المتغيرات الداخلية والإقليمية والعالمية.
ولا يتوقف كثيرون عند مخاطر فقدان "الشرعية"، ويواجهون هذا التغيير الدرامي بخطاب عقائدي أيدولوجي، فاسم جماعة "الإخوان المسلمين" لم يعد حكراً عليهم، وصارت هناك جمعية مرخصة وفق أحكام القانون تحمل ذات الاسم، وبها أيضاً رموز من قادة الحركة الإسلامية، والأهم والأخطر أنهم قد يكسبون بحكم القضاء ويضعون أيديهم على كل موجودات الإخوان المسلمين وأموالهم، وإن حدث ذلك فإنها تعتبر ضربة قاصمة، فلا أحد ينكر أن الأموال والأملاك التي يملكها الاخوان كانت قوة ضاربة تمكّنهم من تشغيل أعضائهم وأنصارهم وتقديم الخدمات الطبية والمساعدات الإنسانية والاجتماعية، وإن فقدوا هذا الإرث والامتياز فإن حركتهم ونفوذهم حتماً ستتقلص.
ويتزامن هذا مع استحالة وصول التبرعات التي كانت بالملايين من أثرياء الخليج المناصرين للإخوان بسبب الرقابة البنكية الصارمة، وتغير مواقف هذه الدول من الحركة الإسلامية ومناصبة بعضها العداء لهم، والأهم من ذلك بدء الحرب على الإرهاب.
معركة الإخوان داخلية ولا تظهر الحكومة بالمشهد حتى إن وجهت لها الاتهامات بأنها المحرض، وبأنها من يعطي الشرعية للآخر، لكن هذا الحال والواقع لن يستمر بعد أن استقال أبرز قيادات ورموز الحركة الإسلامية "لجنة الحكماء" ومئات من كوادرها من حزب جبهة العمل الإسلامي، مؤكدين بأنهم سيعملون على تأسيس حزب سياسي في القريب، فالقصة لم تعد جماعة الاخوان المرخصة، ولا جماعة "زمزم"، بل تيار سياسي يخرج ليعلن ولادة تنظيم جديد.
مشكلة "الإخوان المسلمين" ونعني القيادة التي تدير الدفة الآن أو ما يطلق عليهم "الصقور" أنها لا تريد أن ترى الزلزال الذي اجتاح العالم بعد "الخريف العربي"، فالإخوان أصبحت حركة معزولة لا تأييد لها سوى في تركيا، وهم أيضاً لا يتعلمون الكثير من براجماتية حزب العدالة الذي يقوده أردوغان، ولم يأخذوا من واقعية حزب النهضة وخطاب راشد الغنوشي، ولا حتى تجربة الإخوان المسلمين المغربية.
لو أرادت الحركة الإسلامية أن تنجو وأن تستمر كحركة سياسية مؤثرة، عليها أن تخرج من عباءة التنظيم الديني، وتتحول أكثر وأكثر كقوة سياسية مدنية تقدم رؤيتها ومقاربتها بعيداً عن شعار "الإسلام هو الحل"، وباعتقادي أن بعض قيادات الاخوان "الحمائم" تطرح أفكاراً جريئة خارج "الجيتو" الديني ووصاية مكتب إرشاد الإخوان المسلمين الدولي، وبعيدا عن فكرة "الحرد السياسي" ومقاطعة الانتخابات، والدخول في مكاسرة سياسية مع الدولة، وكذلك التخلي عن المنطقة الرمادية والقدرة على نقد الفكر الديني المتطرف وإدانة الإرهاب والإرهابيين.
الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها الآن وقبل أشهر من الانتخابات البرلمانية القادمة أن عباءة الإخوان ضاقت وستخرِج أحزاباً من تحتها.