الخلاف التجاري الأميركي الصيني.. مصارفنا الإسلامية في مأمن


في تصريح متشائم حديث لوزير الخارجية الأميركي ويلبور روس أحدث فيه إرباكا وبلبلة في أسواق المال العالمية قال فيه: "إن الولايات المتحدة والصين بعيدتان كل البعد عن حل خلافاتهما التجارية وقد قمنا بعمل تمهيدي كبير، لكننا على بعد أميال وأميال"، ثم أضاف: "ثمة فرصة منطقية لنتوصل الى حل". رد الفعل كان أظهره مؤشر داو جونز؛ حيث تراجع بمقدار 52 نقطة إلى 24522.65، وهبط ستاندرد آند بورز 0.13 % إلى 2634.89، وثمة اعتقاد بانعكاس ذلك على الطلب الكلي على النفط في أسواق آسيا بسبب القلق الذي انتاب المستثمرين من تبعات الخلاف الأميركي الصيني أو إن جاز التعبير الحرب الاقتصادية بينهما.
فقد تراجع سعر برميل النفط الخفيف الذي يعد المرجع الأميركي للخام تسليم آذار (مارس) 19 سنتا ليبلغ سعره 52,43 دولارا، كما تراجع أيضا برميل برنت نفط بحر الشمال، المرجع الأوروبي تسليم آذار (مارس) 23 سنتا ليبلغ سعره 60,91 دولارا، أما على مستوى أوروبا فقد تراجع فايننشال تايمز 100 البريطاني 0.4 %. وانخفض مؤشر نيكي 0.09 % ليغلق المؤشر القياسي عند 20574.63، "لغاية تاريخ 2019/01/25"، ناهيك عن تقديرات صندوق النقد الدولي بتراجع لنمو الاقتصاد العالمي إلى 3,5 % في العام الحالي.
المراقب لطبيعة العلاقة السائدة اليوم بين الطرفين يدرك تماما أن هذه الأزمة، إن حطت أوزارها، فإن تأثيرها لن يكون محدودا على الاستثمارات الصغيرة والأفراد فقط، بل سيكون تأثيرها شموليا على معظم المشاريع الضخمة والمؤسسات الاستثمارية الكبيرة، في الوقت الذي يسجل فيه الدين العام العالمي مستوى قياسيا؛ إذ يلامس حدود الـ247 تريليون دولار لما قبل منتصف العام 2018، موزعة على النحو الآتي: ديون الأسر والشركات غير المالية والحكومات بلغت 186.5 تريليون دولار في الربع الأول من العام نفسه، و60.6 تريليون دولار ديون القطاع المالي العالمي والتي وصلت إلى مستوى قياسي ينذر بالخطر القادم من اتجاه العالم الى أزمة مالية مع لجوء العديد من الدول المدينة والتي تعاني من عجز متصاعد في موازناتها باللجوء الى الاقتراض الخارجي من الأسواق المالية العالمية، مع الارتفاع المستمر في أسعار الفائدة المستحقة على مديونياتها، مما يشكل عامل خطر يهدد الاستقرار المالي العالمي، حسب تقرير "معهد التمويل الدولي".
علما أن الطرفين (أي أميركا والصين) يقران يضرورة معالجة الخلل في العلاقات التجارية بينهما لمصلحة بلديهما، وذلك من خلال المهلة التي حددها الطرفان لنفسيهما، وهي الأول من شهر آذار (مارس) المقبل للتوصل الى اتفاق تجاري بينهما، مما يؤشر لاحتمالية أن نرى نمطا جديدا للنظام الاقتصادي العالمي تحدد ملامحة النهائية الكيفية التي ينتهي بها الخلاف بين العملاقين الاقتصاديين.
وبعد هذا العرض السريع لما يمكن أن يتسبب به الخلاف التجاري بين أميركا والصين، وما يمكن أن ينعكس على القطاع المالي العالمي فإننا نتوجه بالسؤال لصناع القرار في الصناعة المصرفية الإسلامية، وهو هل نحن جاهزون لمواجهة أي تطور جديد قد تتعرض له الصناعة المصرفية الإسلامية في وجود تحديات خارجة على إرادتنا قد تتعرض بسبب الخلاف القائم بين بكين وواشنطن؟
وأمام هذه الأوضاع، فيتوجب علينا في الصناعة المصرفية الإسلامية أن نستعد لهذا التحدي الطارئ للاقتصاد العالمي الذي من الممكن أن يهيئ الأجواء لأزمة مالية واقتصادية عالمية على غرار تلك التي ما نزال نعاني من إرهاصاتها منذ العام 2008، وكلنا ثقة كما تجاوزنا نتائج الأزمة المالية العالمية التي تداعت أمامها وانهارت أضخم المؤسسات المصرفية العالمية، فإن قطاع المصرفية الإسلامية يمتلك إمكانات اقتصادية مادية وأخلاقية إذا أحسن استخدامها سنواجه جميع هذه التحديات سواء كانت خارجية أم داخلية.

اضافة اعلان

*باحث ومتخصص في الاقتصاد الإسلامي