"الداعشية".. فكراً وتنظيماً؟!

  ضرب إرهاب داعش أول من أمس كنيستين في طنطا والاسكندرية، وخلّف عشرات القتلى والإصابات من الأبرياء والمدنيين، قبل ذلك كان شخص يقوم بدهس المارة في استوكهولم، وفي الأثناء أصدر التنظيم شريطه الجديد "ابشروا بما يسوؤكم"، متوعّداً الأردن، ومفتخراً بأحداث الكرك، وفيه عدد من الشباب الأردنيين الداعشيين، الذين أصبحوا موالين للتنظيم، معادين لدولتهم، كما هي حال آلاف العناصر العربية والغربية من أعضاء التنظيم.اضافة اعلان
   ثمّة دلالة مهمة ورئيسة مرتبطة بتلك الفعاليات الأخيرة للتنظيم، إذ تأتي مع بروز المؤشرات والدلالات الواضحة على أنّه على وشك فقدان عاصمة خلافته المزعومة في الموصل، ومحاصر في الرقة، وبعد أن فقد أجزاء كبيرة من المناطق التي يسيطر عليها، ولم يعد يحتفظ سوى بالرقة وجزء من الموصل، بوصفها مناطق سكانية، بينما لجأ عدد كبير من عناصره إلى المناطق الصحراوية في البادية، هرباً من القتل والحصار.
    ذلك فضلاً عن أنّ التنظيم قد خسر، أيضاً، جزءاً كبيراً من قيادات الصف الأول وعدداً كبيراً من عناصره وأعضائه، سواء عبر القتل أو العمليات الانتحارية التي قاموا بتنفيذها وتجاوزت ألفا ومائتي عملية في الموصل وحدها منذ بدأت عملية استعادة المدينة من القوات العراقية خلال الشهور الماضية.
   إذاً نهاية "خلافة البغدادي"، وربما قتله، وانتهاء "دولته" لا تعني بالضرورة انتهاء الداعشية. صحيح أنّ وجود أراضٍ يسيطر عليها التنظيم ودولة مزعومة، لبست ثوباً رمزياً لدى ملايين المسلمين، وهو الخلافة، قد ساعد كثيراً على إقناع نسبة من الشباب بإقامة الدولة الموعودة أو اليوتوبيا الإسلامية التي تداعب عواطفهم وخيالهم التاريخي، وهو الأمر الذي تميّز به داعش عن القاعدة، التي بقيت ترفض فكرة إقامة الدولة لأسباب استراتيجية وعسكرية؛ مع ذلك فإنّ نهاية "دولة داعش" ليست آخر المطاف، هي نهاية هذا الخطر والفكر والثقافة أو الطفرة الداعشية.
    ما هو مستقبل التنظيم بعد انهيار خلافته الموعودة؟ هذا هو السؤال المهم والرئيس، على الأغلب حتى وإن تلاشت الصورة الحالية له، فسنكون أمام صور أشكال جديدة، وإعادة تشكيل وتمظهر للتيار الداعشي عالمياً، ومسارات جديدة يختطها لعملياته العسكرية ولدعايته ولطرق الدعاية والتجنيد التي يعتمدها.
    هذا الفكر الداعشي هو نتاج شروط مركّبة ومعقدة، سواء كانت سياسية مرتبطة بالتهميش والظلم والإقصاء، والسياسات الهوياتية والطائفية، وفشل مشروع الدولة القطرية في العالم العربي، وسؤال الأنا والآخر والهوية لدى المسلمين عموماً، وإشكاليات الهوية الدينية والوطنية والعلمانية، كل ذلك بالتزاوج مع مدونة فقهية تاريخية لم يجر العمل الجاد على تجديدها وتنقيحها وبناء توافقات عامة حولها. وطالما أنّ هذه الحيثيات متوافرة، وموجودة ولم يتم التعامل معها، فإنّ الداعشية ستبقى موجودة وحاضرة، فالهزيمة العسكرية هي أحد الجوانب، لكنّ هنالك الجوانب الفكرية الأكثر خطورة وتأثيراً.
     كيف يمكن هزيمة الداعشية ثقافياً وفكرياً؟ مع العلم أنّ نسبة كبيرة من الداعشيين الأوروبيين ليسوا خرّيجي مدارس دينية أو مناهج تعليمية في العالم الثالث، ولا هم من الفقراء والعاطلين عن العمل؟.. كل تلك الظروف موجودة، لكنّها تشكّل نسبة معينة، لا وتمثل الحالات جميعاً.
      لكن في المقابل يمكن القول بأنّ جميع الداعشيين هم من المحبطين من الواقع العربي، الذين يشعرون بانعدام أفق أفضل لمجتمعاتهم ولا يرون مستقبلاً واضحاً أمام أعينهم، ولا طرقاً سليمة مفتوحة للتغييرات السلمية ولحريات التعبير والرأي ولا احتراماً لحقوق الإنسان وكرامته، ولا يرون مثقفين وعلماء وأساتذة مستقلين مقنعين، لديهم مصداقية، يفنّدون حججهم الخشبية، ويقدمون لهم الطريق الآخر للتغيير!