الدجاجة والبيضة.. أردنيا

ما نزال – أردنيّاً- حائرين من جاء في الأول؛ الدجاجة أم البيضة؟!
ذكرني بهذه الأحجية الرمزية إعلان 33 من الأحزاب السياسية الأردنية (من الوسطية إلى المعارضة) عن تشكيل لجنة للإصلاح السياسي في البلاد، تضم في عضويتها شخصيات من الأحزاب المذكورة، من دون أن نفهم تحديداً مغزى تشكيل اللجنة وأهدافها!اضافة اعلان
إذا كان الهدف هو بناء توافقات وتفاهمات حزبية على خلق أرضية سياسية مشتركة، فذلك جيد ومهم، أي التوافق على التعديلات المطلوبة في التشريعات السياسية والإصلاحية وبعض القضايا الأخرى. لكن على ألا تكون المحصّلة الوحيدة هي المطالبة بإيجاد كوتا حزبية في البرلمان القادم أو مسائل تتعلق بالتمويل، فالمعضلة السياسية أكبر من ذلك ومرتبطة فيما إذا كانت الدجاجة فعلاً قادرة على وضع البيضة؟!
ممثلون عن الأحزاب، بخاصة التيار الوطني (بقيادة عبد الهادي المجالي) الذي عدل عن قرار حلّ نفسه، حمّلوا الحكومة مسؤولية فشل الحياة الحزبية وعدم جدوى تشكيل الأحزاب السياسية وعزوف المواطنين عن الدخول إليها، بالرغم من مرور قرابة ربع قرن على عودة الأحزاب.
والصحيح أنّ السياسات الرسمية وغياب التشريعات المحفّزة لنمو الأحزاب ومشاركتها في السلطة كانت سبباً عميقاً وراء هذه الحالة الحزبية المتردية أو الفاشلة تماماً، بتعبير أدقّ. لكن من قال إنّ الأحزاب لا تتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية؛ فبرامجها وقياداتها وأنشطتها كلّها تعاني من الجمود والضعف والركاكة، وغير قادرة على إحداث حالة اجتماعية وسياسية جديدة، ولا على جذب أعداد من المواطنين على الأقل نحو خطابها السياسي، وكأنّها تنتظر من السلطة أن تعبّد لها الطريق وتتنازل عن صلاحياتها وامتيازاتها السياسية عن رضى وحبّ لعيون قادة الأحزاب!
لا يمكن أن تتطوّر الحياة الحزبية من دون بيئة سياسية وتشريعية مناسبة؟ سيكون هذا جواب قادة الأحزاب، ونظرياً قد يكون ذلك صحيحاً. لكن جواب الدولة وكيف يمكن أن تشكّل أحزاب فاشلة سياسياً وشعبياً الحكومة!
القصة تتطلب نضالاً سياسياً حقيقياً وفاعلاً، واشتباكا مع الشارع وبناء خطاب سياسي مقنع وقوي وفاعل، واستقطاب الشباب وإدماجهم في القيادة، ووضع اليد على مواطن الوجع لدى المواطنين، وتقديم البدائل والخيارات الأخرى القادرة على إحراج السياسات الرسمية أو مناقشتها أو في الحدّ الأدنى دعمها، وتقديم شخصيات مقنعة للشارع يمكن أن يلتف الناس حولها.
ما لا يعرفه قادة الأحزاب أنّ كثيراً من الأيديولوجيات التقليدية لم تعد قادرة، كما كانت الحال في العقود السابقة، على جذب الشعب، لا الماركسية ولا القومية ولا حتى الشعارات الإسلامية (مثل: الإسلام هو الحل، الذي تجاوزه التيار الإسلامي في الانتخابات النيابية الأخيرة)، إذ قفزت الهموم اليومية والاقتصادية والمعيشية إلى أولويات الناس، وأصبح الناخبون يتطلعون لمن يجيب عن أسئلة واقعية مهمة.
أشخاص مثل معن القطامين أو أحمد الزعبي قادرون اليوم على التأثير على شريحة اجتماعية واسعة عبر فيديوهاتهم، بما يتجاوز تأثير الأحزاب السياسية مجتمعة، لماذا؟ لأنّ خطابهم أقرب إلى الشارع من الأحزاب العاجزة!
على قادة الأحزاب النظر اليوم إلى التحولات الكبرى التي تحدث في الأنظمة السياسية الديمقراطية التقليدية، التي تصيب الأحزاب التقليدية، بخاصة في أوروبا وأميركا، مع صعود نجم الشعبوية والقيادات الشبابية على حساب الطبقات السياسية التقليدية والخطابات المعروفة، وأن تبدأ التفكير بمنظورات وخطابات وتصوّرات أكثر قدرة على التماس مع الشارع والمواطنين والشرائح الاجتماعية العريضة من الناس.