"الدولة الفلسطينية".. بين ضعفين

يرى الخبير الأميركي آرون ديفيد ميلر، الذي عمل في الفترة مابين 1988 و2003 مستشارا لستة وزراء خارجية أميركيين متعاقبين، في ظل ثلاث رئاسات شارك عبرها في جميع المفاوضات العلنية والسرية.. يرى أن "الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي لم يعد أساسيا بالنسبة إلى واشنطن، فهناك دول أخرى كالعراق وأفغانستان وباكستان وإيران على وجه الخصوص تستحوذ على اهتمامها، ولا يمكن حتى لدولة قوية كالولايات المتحدة القيام بكل شيء في الوقت ذاته، خصوصا في هذه الحقبة المتأزمة". وإلى جانب ميلر ينبه محللون آخرون إلى أنه قبل سنتين، وفي أعقاب التغيير الكبير في الإدارة الاميركية، راجت نظرية أن "المدخل" لمعالجة شؤون الشرق الاوسط هو حل القضية الفلسطينية. ويضيف هؤلاء أنه "قبل أن يتبنى باراك اوباما هذه النظرية، كان توني بلير أبرز مروج لها، وذلك كان أساس الدور الخاص الذي لعبه لاحقا في إطار اللجنة الرباعية، مبعوثا خاصا في "القضية الفلسطينية". لكن ما حدث بالفعل، هو أن "إدارة أوباما انسحبت من نظرية بلير حول أولوية القضية الفلسطينية. وبهدوء أيضا "عالجت" النظرية الرديفة التي تقول إن مفتاح الحل لا يكون بالتركيز على المسألة الفلسطينية الصعبة"، وأن المهمة الأميركية ستكمن في تشجيع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على الجلوس على طاولة المفاوضات وحل مشاكلهما عبر المحاورات المباشرة، مع مراعاة أن إسرائيل هي " الطفل المدلل لأميركا"!.

اضافة اعلان

ربما يكون هذا أهم عائق أمام الفلسطينيين في سعيهم التوجه إلى المجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية، في ظل استمرار الاستيطان وتعثر المفاوضات وبقاء الاحتلال. ولقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة الفلسطينيين إلى عدم السعي لإعلان دولتهم عبر الأمم المتحدة. ولقد أكد مقرر الأمم المتحدة الخاص حول حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة ريتشارد فوك، الجمعة أن انشاء دولة فلسطينية يبدو أكثر فأكثر مجرد وهم؛ لأنها ستتطلب قلبا جذريا في عملية الاستيطان. والواقع السياسي في أوساط المستوطنين يجعل هذا الخيار غير ممكن التحقيق".

ولا يبدو محتملا أن تقبل الإدارة الأميركية بالاعتراف بدولة فلسطينية في الضفة والقطاع، بناء على رغبة السلطة الفلسطينية التي قالت إن ذلك أحد خياراتها إذا استمر نتنياهو في رفض تجميد الاستيطان. وهذا الخيار الفلسطيني ولّد جدلا في الصحافة الأميركية في الأيام الماضية ملخصه أن "حل الدولتين" يتلاشى. بل ذهبت "نيويورك تايمز (21/10/2010) إلى التأكيد بأن بعض الدول المتعاطفة مع الفلسطينيين قد لا توافق على إعلان الدولة. وضربت أمثلة على ذلك، فقالت إن الصين وروسيا وإسبانيا تواجه جميعها حركات استقلال داخل حدودها، وهذا قد يكون في اعتبارها عند تعاطيها مع المسعى الفلسطيني. وإذا ما أراد الفلسطينيون الذهاب إلى مجلس الأمن فقد يواجهون "فيتو" أميركياً، لذا فربما، وفق "نيويورك تايمز" يبدؤون من خلال الجمعية العامة حيث لا يوجد "فيتو"، وحيث من المحتمل أن يحظوا بدعم عشرات الدول.

لكن هذا بالطبع يتطلب جهدا دبلوماسيا فلسطينيا وعربيا، لا يبدو أن ثمة استعداداً كافيا له حتى الآن، من شأنه أن يعطي لهذا الخيار الفلسطيني تأثيره وأخذه على محمل الجد من قبل الاحتلال الإسرائيلي، في ظل ضعف الأوراق العربية والفلسطينية المطروحة. ولقد لخّص الكاتب الأميركي توماس فريدمان هذا العائق بقوله: إن عباس "ضعيف ويتصرف بشكل أضعف، ونتنياهو قوي ويتصرف بضعف"، (يقصد قوله المستمر إن تجميد الاستيطان سيعني انهيار حكومته عبر انسحاب اليمين المتطرف منها).

والحقيقة أن قوة الفلسطينيين في كونهم شعباً تحت الاحتلال، وهم لم يعلنوا القبول به أو الاستسلام لجبروته، ولذا فهم إنْ كانوا معنيين بجبر ضعفهم، فليس مطلوبا منهم أن يكونوا معنيين بضعف نتنياهو وجبره بالتنازل عن حقهم في دولة مستقلة وحرية غير منقوصة، ستبقى حلمهم الذي لن يموت.

[email protected]