الدولة والسلاح

الدولة ضرورة لبقاء ونماء الشعوب المتحضرة، ضرورة اجتماعية، سياسية، عسكرية، وأمنية، وهي الوكيل الوحيد المفوض بفرض القانون بالقوة، والدولة هي الحامية للحدود بجيشها النظامي، وقد تنظم بالقانون جيشا شعبيا عند الملمات، وهي المقيمة للأمن داخل الدولة بقوات الشرطة وما في حكمها، تفرض الأمن وتلاحق من يخالف القانون، بقضاء مستقل عادل يساعده في أداء مهمته أجهزة تنفيذية للملاحقة والقبض على الخارج على القانون، وهذه الملاحقة تكون ضمن نطاق القانون وبالقوة المطلوبة اللازمة لتنفيذه، وهي تقبض على الأشخاص مع الحفاظ على كرامتهم الإنسانية، وضمن ضمانات المحاكمة العادلة.اضافة اعلان
قبيل تأسيس الدولة الأردنية، وعلى مشارف الإمارة كان الأردنيون قد شكلوا ثماني حكومات عشائرية ومناطقية من شمال الأردن لجنوبها، وفي خطوة حضارية سياسية تنازلت العشائر عن حكوماتها لصالح الدولة الأردنية فيما تعتبر في تقديري وعيا سياسيا غير مسبوق، حيث غلبت العشائر وقادتها الأردنيون وهم شيوخ عشائر وقادة رأي عام، مفهوم دولة القانون الجامعة المانعة على مفهوم دولة المدينة أو المحافظة أو الدولة العشيرة، وانخرط أبناء العشائر بعدها كمواطنين في بناء دولتهم وفي النضال القومي العربي، وقد تبنوا القضية الفلسطينية باعتبارها قضيتهم الأولى التي شكلت وعيهم السياسي، حتى أنهم أجلوا قضاياهم المحلية وقدموا القضية الفلسطينية عليها في وعي مبكر لخطر المشروع الصهيوني على وطنهم وعلى فلسطين.
هناك صوت وذهن مشبوه يحاول أن يفصل بين الدولة والعشيرة، ويحاول أن يوهم بوجود صراع بينهما، وهذا الصوت المشبوه يجب التنبه له، فلا يجوز الربط بين أي خروج على القانون، وبين فئات الشعب، فتنميط الناس إضافة إلى كونه عملا ساقطا منطقيا، فهو عمل تخريبي يجب أن نتنبه له، وهو طابور خامس يخرب على الدولة، وعلى الشعب سواء قصد ذلك أم لم يقصد.
السلاح غير المرخص المنتشر في البلد هو عمل مخالف للقانون ومعالجة هذا الأمر هي وظيفة الحكومة، وفي هذا مصلحة للشعب قبل الدولة، وحدود هذا الأمر مواطن مخالف للقانون، وعليه الانصياع له، ولكن القضية ليست بين العشائر والدولة، وعلينا في خطابنا التنبه لهذا التنميط غير المنطقي والخطير، فلم نسمع عن عشيرة اجتمعت وقررت شراء قطع سلاح للعشيرة، الذي يرخص سلاحه مواطن، والذي لا يرخص مواطن خارج على القانون يتم التعامل معه بهذه الصفة فقط، وضمن حدود القانون.
أما أن يكون في البلاد عشرة ملايين قطعة سلاح غير مرخصة فهذا خلل وإخفاق حكومات متعاقبة، والتي ساهمت بتهاونها في تطبيق القانون في انتشار هذا السلاح، خطأ الحكومات نشأ أصلا عن رعاية الشخصية الفهلوية المتكسبة على حساب سيادة القانون، وهي تتحمل مسؤوليتها في ذلك، معالجة الخطأ في انتشار السلاح غير المرخص، يجب ألا نضاعفه بتنميط الناس وكأن حركة شعبية قائمة ضد الدولة وضد الحكومة، لتقف الحكومات أمام نفسها، وتعترف بالخطأ وتعالجه بما يحتاج ذلك من أي تعديل في القانون وفي القيام على تنفيذه باستمرار.
الأردن ليس جديدا على التنظيم القانوني لحمل السلاح، فإن أول قانون وضع لتنظيم السلاح في الأردن عمره حوالي سبعون عاما، وحان الوقت لتعديله، وقد وضعت الدولة مشروع قانون وناقشته أمام لجان البرلمان القانونية، وتحدث المشروع عن تسليم السلاح غير المرخص مقابل ثمنه، ومنع ترخيص الأسلحة الاوتوماتيكية الخارجة عن استخدام الشخص العادي، ويذكر أن حمل الأسلحة الأوتوماتيكية جرم في قانون الأسلحة النارية والذخائر بعقوبات رادعة تصل حد الأشغال المؤبدة.
هناك إجماع شعبي أردني على ضرورة الدولة، وضرورة الدستور، وضرورة النظام، وهذا الواقع والرؤية الشعبية، ويجب أن يكونا الفهم الأساس الذي يسند الحكومات في معالجة هذا الأمر. يجب على الحكومات أن تحدد المخالف للقانون باعتباره مواطنا مخالفا وليس ظاهرة شعبية، أبناء العشائر اليوم – الأردن بكل مقوماته أبناء عشائر - هم مواطنون يحملون الدولة في كافة المواقع، وبهذا الفهم فقط نقيم دولة القانون والمؤسسات، ونقيم الدولة المدنية حامية القانون ومحتكرة القوة بالقانون وتنفيذه، وهذا ما سعت وتشوقت له العشائر الأردنية عند إنشاء الدولة، وليس من مدنية أكثر من هذه المدنية، ظل أن تقوم الحكومات بدورها انتبه لهذا جنابك!.