الديسي ومياه الشرب: فكرة أخرى

دعوة وزارة المياه والري لربط مزاريب مياه المطر بآبار المياه الموجودة في العقارات على أهميتها يجب أن تحرك فينا الفزع والحزن، ففي أفقر بلد مائيا في العالم لا يدرك الناس أهمية مياه المطر في الحياة وفي استخدامه للشرب وأنه الأفضل في نوعيته ومستواه من أية مياه أخرى معبأة أو مقطرة أو محلاة، وتحولت فكرة آبار المياه التي ظلت الوسيلة المثالية عبر التاريخ لجمع مياه المطر إلى شيء من الماضي، هذا الإصرار على السلوك وكأننا نملك فائضا من المياه في الوقت الذي نحتاج فيه إلى الماء يدعو إلى الخوف، بل وإلى الرعب.

اضافة اعلان

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن فكرة جر مياه الديسي لمسافة طويلة عبر الأنابيب، تنطوي على سلبيات كثيرة، التكلفة الهائلة، تردّي نوعية المياه بسبب النقل عبر الأنابيب، تسرب المياه عبر الأنابيب، الحاجة لصيانة وتبديل خط النقل بعد فترة من الزمن.

وإذا كانت مياه الديسي، كما يقال، ذات جودة عالية جدا، فإنها تصلح لمشروع تعبئة بالأواني البلاستيكية ثم نقلها بالشاحنات إلى عمان، في هذه الحالة سوف نحافظ على نوعية المياه، ونضمن عدم هدرها، وندفع باتجاه فكرة بدأت بالانتشار الواسع في السنوات العشر الأخيرة، وهي التمييز بين مياه الشرب ومياه الاستخدامات المنزلية الأخرى، وأتوقع أن معظم المواطنين اليوم في عمان والزرقاء وإربد والسلط يستخدمون المياه المعبأة للشرب، ولا يلجأون إلى الشبكة إلا من خلال أجهزة التنقية، وهي تقنية تؤدي إلى هدر جزء كبير من المياه بلا فائدة، ولكن الناس لا تثق بكثير إن لم يكن معظم مؤسسات تعبئة المياه المنتشرة على نطاق واسع، ماذا لو أنشئت شركة عملاقة لتعبئة مياه الديسي في عبوات كبيرة ومتوسطة، ثم قدمت إلى المواطنين بسعر التكلفة زائد نسبة ربح معقولة؟.

نحتاج لمواجهة أزمة المياه إلى منظومة معقدة من السياسات والثقافة والتقنيات والمراجعات الاستراتيجية في أسلوب حياتنا، فيجب أولا أن نبني مشروعاتنا وسياساتنا على مستوى الدولة والمجتمع لجمع وتفعيل كل قطرة ماء تنزل من السماء أو تجري في السيول، ثم منع هدر وإتلاف كل قطرة ماء نحصل عليها، واعتبار ذلك جريمة بحق المجتمع وأمن الدولة، وهذا يقتضي إعادة صياغة وتأهيل شاملة.

فنحتاج إلى إعادة نظر شاملة واستراتيجية مهما كانت مكلفة ومرهقة لأنظمة شبكات المياه والصرف وأنظمة البناء وتخطيط المدن والأحياء، لنسأل أنفسنا أيهما أجدى وأفضل نقل المياه عبر الصهاريج أم الشبكة؟ لأن الشبكات تهدر نسبة كبيرة من المياه وتغير في نوعيتها، وتحتاج إلى تكاليف وصيانة وتبديل وإدارة، هل ستبقى شبكة الصرف الصحي هي أيضا شبكة صرف مياه الأمطار؟ هل سنبقى نسمح بالبناء وتحطيم الطرق والشبكات متجاهلين الأودية ومسيلات المياه وأنظمة تساقط المطر وجريانه؟ هل ستبقى أنظمة تصريف المياه من المنازل عبر شبكة واحدة لا تميز بين استخدامات المياه الأصلية وفرص إعادة استخدام جزء كبير منها؟ هل ستبقى أنظمة تصميم البيوت وبنائها لا تأخذ في الحسبان تقنين وتنظيم استخدام المياه، مثل أحواض الاستحمام المنزلية (أعتقد أنها جريمة يجب تصنيفها في قضايا أمن الدولة) وهل ستبقى أدوات وتقنيات المياه التي تنظم وتقلل من الهدر اختيارية؟ هل تطبق بفعالية وجدية تشريعات وأنظمة حفر الآبار مع العقارات؟

ولا بأس من تكرار القول والتذكير المتواصل بأن عمان والزرقاء أقيمتا ابتداء ونشأتا عبر التاريخ على أساس نهر الزرقاء وأنهما بغير هذا النهر لن يعود لوجودهما مبرر، ونحتاج اليوم لنسأل أنفسنا بجدية وقسوة هل نستعيد النهر أم نهجر المدينتين ونرحل وراء الماء، فلا يعقل أن تجمع مياه المملكة وتجر إلى عمان.

[email protected]