الدين الصحيح والمذهب الصحيح؟

عانى الناس في الماضي، في جميع العصور والأمكنة، وما يزالون إلى هذه الساعة، من مقولة الدين الصحيح أو المذهب الصحيح؛ بمعنى ادعاء أصحاب كل دين أن دينهم أو مذهبهم فقط هو الصحيح، سواء أكان سماوياً أم أرضياً. وينطبق الإشكال نفسه على الأيديولوجيات، مثل الاشتراكية والشيوعية والرأسمالية.اضافة اعلان
وعندما تحلل هذا الادعاء الدائم بامتلاك الحقيقة المطلقة، تجد أنه غير صحيح إلا عند أهله؛ لأن كل واحد منها منقسم إلى مذاهب يدّعى أصحاب كل منها أن مذهبه فقط هو الصحيح، لدرجة فرضها على أصحاب بقية المذاهب داخل الدين نفسه بالقوة والدم، ما دام لا يؤمن بالحق في الاختلاف والتعايش أو العيش المشترك معه.
لم نعلم يوماً وإلى الآن، أي في القرن الحادي والعشرين، عن حدوث انتقال جماعي من أي فريق إلى حضن الفريق الآخر داخل الدين الواحد، لاقتناعه بمذهبه. لم تصل الأديان والمذاهب إلى حقيقة دينية واحدة أو مشتركة، بل العكس؛ وقعت حروب طويلة دامية بينها رسّخت الخلاف والتباين.
ولا ينتهي الأمر عند ذلك، فالأرثوذكسية، والكاثوليكية، والبروتستنتية في المسيحية، منقسمة أيضاً إلى مذاهب فرعية يدّعي كل منها أنه الأرثوذكسية أو الكاثوليكية أو البروتستنتية الصحيحة فقط. وكذلك ينقسم السنة بين جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير (وسواهما) اللذين لا يطيق الواحد منهما الآخر فكرا ومسلكاً. كما ينقسم الشيعة إلى إمامية وعلوية وزيدية... يدعي كل منها أن مذهبه الشيعي هو الصحيح فقط.
ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني أن الصراع بين الأديان وبين المذاهب داخل كل منها، دليل قاطع عليه، ولتسوية هذا الصراع طريقان لا ثالث لهما:
- طريق القوة أو العنف لتصفية الفريق الآخر واحتكار الحقيقة والسلطة والموارد. وقد أثبت التاريخ فشل هذه الطريق. بل بالعكس، زادت من تعصب كل فريق لحقيقة دينه أو مذهبه، وذهبت حياة الذي ضحوا من أجلهما هباء منثوراً.
- طريق الاعتراف والاحترام المتبادل والتعايش أو العيش السلمي الدائم المشترك بين الأديان، وبين المذاهب داخل كل دين، وحل المشكلات بينها بالحوار والديمقراطية. لكن ذلك (قد) لا يكون من دون اعتماد المدنية أو العلمانية، "لضمان" تمتع أصحاب كل دين وكل مذهب بحريتهم الدينية والمذهبية بسلام وأمان. وللأسف، ما يزال يوجد من يصرّ على استخدام القوة والعنف اللذين استخدمهما الآباء والأجداد لاستئصال الآخر المختلف أو المخالف من دون جدوى. وعندما يصر أصحاب كل دين أو مذهب على ذلك فإنهم يستدرجون الآخر للرد بالمثل.
بعبارة أخرى: لم يتعلم الأبناء والأحفاد من الماضي والتاريخ. وقد قيل: إن من لا يتعلم من التاريخ محكوم عليه بتكراره. وقيل أيضاً: إنهم يرسبون فيه. أليس هذا الكلام واضحاً لدرجة البداهة؟
إنني في حيرة من هذا الأمر، لأنه يحدث في أغنى العقود في التاريخ علماً وثقافة ومعرفة، لكن الأبناء والأحفاد يتصرفون وكأنهم في العصر الحجري.