الذين غيّروا الأردن


بعد عقدين على الديمقراطية يبدو أننا تغيرنا، وعلى النخبة التقليدية أن تقنع بذلك، لا بل أن تؤمن به، وتدعو أحفادها وأبناءها للدخول فيما دخلت به النخبة الليبرالية الوطنية قبل عقدين أو ثلاثة. ولكن كيف حدث ذلك؟.

اضافة اعلان

 كانت خرائط عديدة في العالم تتغير من برلين إلى بكين مرورا بموسكو وسواها، وما كان لهذه الخرائط ألا تؤثر علينا محليا.

ففي الجامعة الأردنية أواخر عقد سبعينيات القرن المنصرم، كانت بداية استعادة الديمقراطية. لم تكن حركة الطلبة تمثل صراع طبقات أو إرادات أو مواجهة بين النظام والفرد، بقدر ما كانت تنطلق من الوعي للذات، وسارت وراء الإيمان بالإيدولوجيا ودولة المواطنة.

عميد شؤون الطلبة آنذاك كان د. محمد حمدان، وكان من رموز الحركة ناهض حتر ومحمد طمليه وسامية عويضة والمنظم الأكبر مصطفى إبراهيم. أما مفلح الرحيمي فنشط في العمل التطوعي والخدمة العامة، وحرص سليمان عرار وزير الداخلية آنذاك على عدم تدخل الأمن، وكان يفاوض إدارة الجامعة في مبنى مستشفى الجامعة، ويحرص على عدم دخوله شخصيا للجامعة لأنه يحترم الحرم الجامعي.

 أواسط الثمانينيات كانت جامعة اليرموك تلتقط زمام بدايات التحول. طلابها الذين تظاهروا واعتصموا ومن ثم ضُربوا وقتل بعضهم، هم من أيديولوجيات متعددة وخلفيات يغلب عليها الطابع الريفي، لكنها كانت واثبة بشكل لا يمكن حدُه، والحركة مثلت أحد إفرازات العقل العلمي الطلابي الواعي.

 أوجدت الحركة قيادات طلابية مؤثرة إعلاميا وسياسيا، مثل ما حصل في “الأردنية”، ومنها سميح المعايطة وفهد الخيطان وسامي الزبيدي واحمد أبو خليل وإلياس محمد سعيد وغسان مفاضلة وأسامة الرنتيسي وباسل الرفايعة ومحمد فرحان. وبعد الأحداث استقبل رمزي ياسين الخب قائدا وزعيما طلابيا وعولج في دولة أوروبية شرقية، وغنى لرمزي الشيخ إمام  في مصر.

حركة طلبة اليرموك أوجدت فاصلا بين لحظتين، تنصل عن مسؤوليتها من كانوا في المشهد ووحدها ليلى شرف قدمت استقالتها احتراما للحرية.

 قبل “اليرموك” بعام أغلقت رابطة الكتاب العام 1985 ورفع رئيسها خالد الكركي دعوة ضد الحكومة لإغلاقها، وظلت مغلقة حتى العام 1989 عندما أعاد الكركي فتحها عندما صار وزير ثقافة.

وما بين إغلاق الرابطة وإعادة فك الشمع الأحمر عنها، كانت الحركة الطلابية في الجامعة الأردنية منتصف الثمانينيات تمور بغليان شديد تعمق مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ثم طاول قضايا مطلبية كان رئيس الجامعة آنذاك عبدالسلام المجالي يتعامل معها بطاقة شديدة من التسامح والتفهم. وأنتجت تلك الحركة رموزا طلابية فرضت واقعا وصل ما انقطع في الجامعة أواخر السبعينيات، وبرز في تلك الفترة مجدي الطل، وأسامة الزين، وخالد أبو شميس، وموسى برهومة، ويونس عرب، وزويا حمودة، وأريج العمد، ورائدة الكاشف، وعودة الجعافرة، وكثيرون يصعب على هذه الزاوية الإحاطة بعبقهم.

في التاسع من نيسان (إبريل) 1989 اندلعت أحداث الجنوب، وطويت مرحلة العرفيات وجاءت الديمقراطية.

 الذين كانوا قادة الحركة الطلابية هم اليوم نخبة المجتمع وطليعته. وقبل أسبوعين من نهاية 2009 انتخب طلبة “الأردنية” أحرارا أتوا بمعتز السعود زعيما لهم. ولن يتوانوا عن السير على خطى الأوائل الذين سارعوا في إطلاق شمس الحرية من أقبية العتمة العرفية.


[email protected]