الرئيس بالصورة؟!

المسؤولون في الأردن منهم رايح وغير راجع ثاني، ومنهم من يحلم دائما أنه راجع مرة أخرى، وهذا النوع الذي لديه شعور بالرجعة للمنصب تجد أحاديثه دائما منصبة على أسعار زيت الزيتون، أو قد يصف لك الجعدة للمغص، وفي أحسن الاحوال اذا ما أُحرج في جلسة فيها نقاش عن الشأن العام فإن اكبر قضية وطنية حساسة ممكن أن يبدي فيها رأيه بكل جراءة وصراحة هي أزمات السير. اضافة اعلان
أما النوع الآخر الذي حين يشعر أن عودة فلسطين أسهل من عودته للمنصب العام، فيصور لك البلد خربانة، وليس لديه ذرة أمل في قدرة الدولة على إصلاح مواسير المياه وليس الإصلاح المالي والسياسي.
تابعت مقابلة لأحد المسؤولين السابقين على إحدى الفضائيات وكان عدد قضايا الفساد التي ذكرها وتحدث عنها واطلع عليها بحكم عمله أكثر من عدد أهداف ميسي في الدوري الاسباني!
الرجل كان صادقا مع نفسه ومع وطنه، وكان يدرك أنه حان وقت التضحيات الجسام، فما إن يطلع على ملف حتى تثور ثائرته، وينتابه الغضب الشديد، ويفقد أعصابه، وكان كادر مكتبه يخاف أن يرتكب جريمة قتل ضد هذا الفاسد الملعون وأن يعيد حق الوطن بالقنوة لا بالقانون.
بحكم المسؤولية الوطنية، تحرك هذا المسؤول مسرعا حفاظا على المال العام، صحيح ليس باتجاه هيئة مكافحة الفساد آنذاك، ولا باتجاه النائب العام، ولا باتجاه مجلس النواب، فالموقف تاريخي ووطني ويتطلب أن يكون الأمر حاسما وصارما وليس هناك مجال لمضيعة الوقت، فقد ذهب إلى الرئيس ووضعه بالصورة!
سيبقى الاردن يشهد لهذا المسؤول هذا الموقف التاريخي، وسنبقى نذكره بكل إجلال واحترام، فقد أنقذ الاردن من براثن الفساد حين وضع الرئيس بالصورة!
 ما دمر الأردن ومقدراته هو أن نكتفي بوضع الرئيس بالصورة، فقصة وضع الرئيس في الصورة تشبه قصة أحد الحكماء الذي قام بمساعدة أحد الأشخاص، فأراد هذا الشخص أن يكرم هذا الحكيم على معروفه، فذهب إلى سوق الحلال واشترى له جديا، وبعد أن أرسل له الهدية اتصل به بعد عدة أيام ليسأله عن الهدية وليطمئن إن كانت قد أعجبته، فقال له الحكيم: للأسف لم أهنأ بالجدي ولم استمتع بمشاهدته، فقد سقط  بمصرف المنزل، في إشارة إلى أن هديته هزيلة ونحيفة ولا تليق بمقام الحكيم!
المسؤولون يذهبون فرحين بملفات الفساد إلى الرئيس، ومن ثم يقومون بالسؤال لنيل الإطراء والثناء وربما التكريم؟! وعادة ما يخيب ظنهم وما كانوا يعتقدون أنها ملفات فساد دسمة يصبح مصيرها مصير الجدي في المصرف، فلا يوجد ملف وصل إلى هناك واعتبر ذا اهمية! 
لم تُنشَأ هيئة النزاهة ومكافحة الفساد للمحافظة على العكوب، ولا لتكون صالة جم، بل أنشئت لمحاربة الفساد، والهيئة ليست في صحراء رم حتى نستبعد المشوار بل في وسط عمان، والمسؤول صاحب الضمير الحي هو من يطرق بابها لا من يكتفي بوضع  الرئيس بالصورة، أو يسلسل لنا الفساد في الاردن على شاشات التلفاز كأجزاء باب الحارة. 
الدولة ذكية جدا، بين فترة وأخرى تعيد بعض المسؤولين السابقين إلى المناصب العامة، حتى يبقى حديثهم دائما عن أسعار زيت الزيتون ولا يفقدوا الأمل فيصبح حديثهم عن بشاعة الفساد في الأردن!