الرابحون والخاسرون

الضربة العسكرية الأميركية التي بدت وكأنها خيار محتوم، تراجعت احتمالاتها بعد اقتراح روسي، وموافقة سورية الفورية، على وضع ترسانتها من الأسلحة الكيماوية تحت الرقابة الدولية، في خطوة تمهد للتخلص منها لاحقا.اضافة اعلان
لكن السؤال: هل فوجئت الإدارة الأميركية بالمقترح؟
التطورات المتسارعة للأحداث، تشير بوضوح إلى أن العرض الذي قدمه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بهذا الخصوص لم يكن مجرد "جدل لفظي" كما قيل؛ فقد كشف الرئيس باراك أوباما، في مقابلة تلفزيونية، أنه ناقش بالفعل "حلا دبلوماسيا" للأزمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة العشرين التي عقدت في روسيا قبل أيام.
غير أن الشيء المؤكد هو أن الإدارة الأميركية لم تتوقع موافقة النظام السوري على المقترح بهذه السرعة.
يعتقد العديد من المحللين في واشنطن والمنطقة أن الاقتراح الروسي كان هدية من السماء لأوباما وأركان إدارته، ومخرجا من مأزق يجنبها الهزيمة الكاملة في الكونغرس الأميركي الذي تتبنى أغلبيته موقفا معارضا للضربة العسكرية.
حملة أوباما لإقناع الكونغرس والرأي العام الأميركي بضرورة القيام بضربة عسكرية لسورية، لم تنجح حتى الآن في كسب تأييد الأغلبية؛ استطلاع معهد "بيو" بالأمس، أظهر معارضة 63 % من الأميركيين للتدخل العسكري. تردد الإدارة الأميركية وتأرجح مواقفها، لم يساعدا على حشد التأييد اللازم للضربة العسكرية.
الرئيس أوباما وإن كان متشككا بنوايا النظام السوري، إلا أنه بدا كغريق يتشبث بقطعة خشب، بإعلانه أول من أمس عن استعداده لتعليق الخطط العسكرية في حال التزمت دمشق بتنفيذ المقترح الروسي.
التراجع عن العمل العسكري مقابل تدمير مخزون سورية من الأسلحة الكيماوية، يعد مخرجا مناسبا للإدارة الأميركية، يمكن تسويقه على أنه نجاح في تحقيق الهدف من الضربة الجوية بدون وقوعها؛ يخدم أغراض الأمن القومي الأميركي، والأهم مصالح اسرائيل المعنية قبل غيرها بخطر الكيماوي السوري.
ليست إسرائيل وأميركا هما الرابح الوحيد؛ النظام السوري أيضا الذي كان يخشى من الضربة العسكرية وتوابعها، وجد في اقتراح الحليف الروسي طوق نجاة يمنحه الفرصة للمناورة السياسية، ومواصلة حملته العسكرية بالأسلحة التقليدية ضد المعارضة السورية.
والأخيرة، أعني المعارضة السورية، هي الخاسر الأكبر في حال تراجعت واشنطن عن خططها توجيه ضربة لنظام الأسد. من تابع تعليقات قيادات المعارضة أمس، لا شك أنه لاحظ حالة الانفعال التي تسيطر عليها، ورغبتها في عدم تصديق الأنباء عن إمكانية القبول بالاقتراح الروسي. المعارضة كانت تعول على الضربة العسكرية لإضعاف قدرات النظام العسكرية، وهو الأمر الذي يساعدها على تحقيق مكاسب ميدانية وسياسية وشعبية.
دول الجوار السوري تبدو منقسمة؛ تركيا دعمت في وقت مبكر الضربة العسكرية، ولن تكون سعيدة بأي خيار بديل يمنح النظام السوري فرصة الإفلات من العقاب. الأردن ربما يكون مرتاحا للمقترح الروسي، فهو سيجنبه الضغوط الساعية إلى دفعه لإعلان موقف صريح بدعم العمل العسكري.
لا ننسى روسيا بالطبع؛ فقبول اقتراحها يمنحها دورا قياديا في المنطقة والعالم، يتفوق على دور واشنطن التقليدي في الشرق الأوسط.
لكن هذه ليست نهاية الأزمة في سورية، بل ربما تكون بداية لطور جديد في الصراع، يذكّر بحالة العراق التي بدأت بقصة الأسلحة الكيماوية، وانتهت بتدخل عسكري واحتلال دام عشر سنوات.

[email protected]