الربيع العربي على الطريقة القطرية

السلطة التي وصل إليها بانقلاب أبيض على والده، يتنازل عنها طواعية لنجله وولي عهده بعد 18 عاما في الحكم. ضعوا جانباً الخلافات السياسية مع قطر، والجدل حول دورها؛ خطوة الأمير حمد بن خليفة نادرة الحدوث في الأنظمة الوراثية، ملكية كانت أم أميرية، وهي على مستوى الخليج العربي غير مسبوقة.اضافة اعلان
عالميا، لا تحضرني سوى حادثتين مشابهتين. الأولى، لملك بريطانيا إدوارد الثامن، الذي تنازل عن العرش العام 1936 من أجل عيون عشيقته. والثانية، ملكة هولندا التي تنازلت لابنها بداية هذا العام، بعد أن بلغت الخامسة والسبعين من العمر. وقالت يوم تنحيها: "أنا لا أنسحب لأن مهمتي أصبحت ثقيلة علي، ولكن لاقتناعي بأن مسؤولية بلدنا يجب أن تكون في أيدي جيل جديد".
والمؤكد أن تاريخ الممالك على مر العصور يحفل بحوادث مشابهة؛ تنازل فيها الملوك عن الحكم طائعين أو مكرهين.
ميزة الأنظمة الملكية أنها الأكثر استقرارا. لكن في بعض الحالات، وخاصة في عالمنا العربي، يتحول الاستقرار إلى ركود وجمود، عندما لا يكون الحاكم قادرا على ممارسة الحكم والوفاء بالتزاماته تجاه الشعب، لتقدمه في السن أو مرضه. وربما يكون الأردن الملكية العربية الوحيدة التي جرى فيها تنحية الملك "طلال" رحمه الله عن الحكم، بعدما ثبت طبيا عدم أهليته لتولي المسؤولية.
خطوة الأمير القطري ستشكل إحراجا لدول خليجية لم تعهد هذا النوع من انتقال السلطة. ثمة أنظمة هناك تعيش حالة موت سريري، ومع ذلك لا تفكر في تغيير سلمي على الطريقة القطرية، وتظل شعوبها تنتظر إلى أن يتدخل القدر، فيحدث التغيير.
في تاريخ دول الخليج، سُجّلت محاولات انقلاب فاشلة وثورات، لكنها لم تفلح في الوصول إلى السلطة. كما سُجلت حالة انقلاب أبيض في سلطنة عمان، شبيهة بتلك التي وقعت في قطر العام 1995.
يستبعد المراقبون للشأن القطري أن يكون تنحي الأمير لأسباب صحية. ويقول هؤلاء إن حمد آل ثاني يفكر في الأمر منذ سنوات، وأبلغ مقربين منه بالموعد المفترض. ويُعتقد أن الرغبة في التغيير، وتقديم وجوه شابة لتولي المسؤولية، هي الدافع وراء قرار الأمير الذي شرع منذ سنوات قليلة بتسليم الملفات، أولا بأول، لولي العهد، بدأ بالأهم؛ الدفاع والأمن، ثم دخل لاحقا على خط السياسة الخارجية. وفي الآونة الأخيرة، صار معروفا للجميع أن ولي العهد هو صاحب القرار في قطر، ويتجه إلى تولي السلطة كاملة من والده في وقت قريب.
ويرى آخرون أن أمير قطر قرر نقل السلطة لنجله في حياته خوفا من أن يخسرها بعد وفاته، في ضوء ما يتردد عن تنافس قبلي على السلطة والنفوذ في قطر.
أيا كانت الأسباب والدوافع، فإن ما أقدم عليه أمير قطر يعد خطوة جريئة. فمن يجلس على كرسي الحكم في دولة ثرية مثل قطر، يصعب توقع خطوة كهذه منه، حتى لو كان المستفيد منها هو أقرب الناس إليه.
وتكمن أهمية الخطوة بأنها ترسي تقليدا جديدا في الأنظمة الملكية والأميرية، يصبح معها انتقال السلطة ممكنا لولي العهد بوجود الملك أو الأمير على قيد الحياة، ما يضفي لمسة ديمقراطية، تضيف للأنظمة الوراثية ميزة جديدة تواكب من خلالها تغيرات العصر، لتقترب أكثر من نمط الملكيات في الغرب.
هي طبعة جديدة من الربيع العربي على الطريقة القطرية، تحضر فيها بقوة صورة ولي العهد.