الرزاز يأمل

كتب الوزير الخلوق والصديق د. عمر الرزاز منشورا على الفيسبوك يأمل فيه أن يأتي من بيننا من يحاول استكمال رحلة العالم ستيفن هوكينغ في علوم الفيزياء والكون. اضافة اعلان
سيدي، حين كان علماء الغرب يعجزون عن علاج صداع الرأس كان ابن سينا مرجعا في الطب، وحين كان عباقرتهم يعجزون عن تصميم مدخنة للموقدة كان ابن خلدون مدرسة في علم العمران، وحين كان أساتذتهم لا يعرفون الخمسة من الطمسة كان الخوارزمي يجد حلا للمعادلات الخطية والتربيعية، وحين كانت أكبر محاولاتهم ركوب الجحش كان عباس بن فرناس يحاول الطيران، وحين كانوا يفكون السمك من الشبك كان الطبري يفك الخط، فهم للتوضيح من استكملوا مسيرة علمائنا الأجلاء قبل أن نبتلي بسياسات تعليمية عقيمة أهملت البحث العلمي والتفكير والإبداع ليستبدل الحال.
أنا ابن مدارس وزارة التربية والتعليم، وعلى مدى سنوات دراستي من الصف الأول حتى التوجيهي كان دخولنا للمختبر فقط لمشاهدة الكركعة والأفعى المحنطة في مرطبان مقدوس، وكنا نصطف في طوابير فقط لنرى كيف يقوم المجهر بتكبير الأشياء والمغنطيس بجذب المعادن، والتجربة العلمية الوحيدة التي كنا نقوم بها كل عام هي زراعة العدس في علب الحمص الفارغة، أو زراعة الفجل في حديقة المدرسة لنرى كيف ينمو.
حتى رحلاتنا المدرسية كانت إما أن تكون على البحر الميت أو أم قيس لنغني للسائق: يا شوفير أطلع هالطلعة، الله يخليلك هالصلعة، فلم تخصص مدرستي يوما رحلة علمية الى مركز بحثي زراعي أو فلكي أو حتى الى دائرة الأرصاد الجوية لنرى على أرض الواقع تجاربها العملية.
حتى الأنشطة المدرسية، لم يطلب منا يوما أن نحضر من منازلنا ما يصلح لإجراء تجربة تفاعل أو ابتكار أو اختراع، كان يطلب منا أن نحضر مكانس وسيرفا، حيث كنا نقسم الى مجموعات لنشطف الصف بعد نهاية الدوام الرسمي بالتناوب بيننا.
وفي يوم النشاط العالمي لم نكن نقيم معرضا لاختراعاتنا، أو أن نكرم بعضا من علمائنا الصغار، بل كنا نقيم حفلا غنائيا نردد فيه أغنية (ياسعد) المشهورة في ذلك الوقت، وأنا شخصيا تعرضت للعقاب من والدتي فقد أحضرت للمدرسة منقل شوي كنا سنستخدمه بوضع دلال القهوة عليه امام الفرقة الغنائية كنوع من الفلكلور ولم أجده بعد انتهاء النشاط المدرسي.
من أين سيأتي ستيفن لنستكمل مسيرته في علوم الفيزياء والكون، هل من مختبراتنا التي لا يوجد بها سوى الكراكع، أم من رحلاتنا العلمية التي لا يوجد بها سوى الطبلة وبالليل ياعيني بالليل، أم من أنشطتنا المدرسية التي علمتنا الشطف، أم من مناهجنا التي ما تزال تصر أن نحفظ معلقات الشعر غيبا، بينما طلبة العالم معلقون بدراسة تجارب وكالة ناسا الفضائية!
 نظامنا التعليمي لم يولِ يوما اهتماما للأبحاث وتنمية قدرات الطلاب بل للحفظ والتلقين، قد نصلح لاستكمال مسيرة عمر العبداللات ومتعب الصقار ونهاوند الغنائية فقد كنا نردد أغانيهم كل صباح، وقد نصلح لاستكمال أعمال الزوجة المنزلية إذا ما أصيبت بكسر في الحوض فقد تعلمنا الشطف والمسح، وقد نصلح لاستكمال مسيرة الآباء والأجداد في زراعة العدس فقد كنا نزرعه كل عام.
على ما يتوفر في مدارسنا من حصص للنشاط العلمي والرياضي والثقافي، نكون لك من الشاكرين إذا خرج من طلابنا من يستكمل مسيرة جريس تادرس في المنتخب وليس مسيرة ستيفن في علوم الفيزياء والكون!