الرغبة بالهجرة

حينما يرغب نحو نصف المواطنين بالهجرة خارج الأردن، فإن ذلك مؤشر على أن الأوضاع المعيشية والاقتصادية والحياتية والسياسية في بلدنا طاردة للمواطنين وغير مشجعة لبقائهم في وطنهم الذي يعشقونه ويدافعون عنه بدمائهم وأرواحهم. أول من أمس، نشرت وسائل الإعلام المختلفة، نتائج دراسة استقصائية لشبكة "الباروميتر العربي"، أظهرت أن 45 % من العينة الدراسية أكدت رغبتها بمغادرة وطنهم. وبحسب الدراسة، فإن غالبية الأردنيين يرون أن "الاقتصاد" هو التحدي الأكبر الذي يواجه بلدهم، فيما يمثل "الفساد" ثاني أكثر التحديات شيوعا من وجهة نظرهم إذ يقول جميعهم تقريبا إن "الفساد متفش في الأجهزة الحكومية". ولا تختلف نتائج هذه الدراسة، عن نتائج استطلاع رأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، أعلنت في شهر آب الماضي، حيث بين أن نحو 45 % من الأردنيين فكروا أو يفكرون بالهجرة. والأسباب التي تدفع الأردنيين للتفكير بالهجرة، في الاستطلاعين، متشابهة فهي اقتصادية ومعيشية بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى الإحباط، والتراجع الحاد في الثقة بالمؤسسات السياسية في جميع المجالات، بما في ذلك الحكومة والبرلمان. وبالرغم من خطورة هذه الأرقام، فإن تراجعها في الأمد المنظور، غير متوقع على الإطلاق، فالأوضاع الاقتصادية صعبة جدا، ولم تنجح إجراءات الحكومة وخطتها الإصلاحية بتحسين هذه الأوضاع، فانعكس ذلك بشكل مباشر على الأوضاع المعيشية للمواطنين، فتردت إلى درجة كبيرة، حيث اثقل كاهل المواطنين بالكثير من الضرائب وارتفاع الأسعار، فيما لا يجد الشباب وخصوصا الخريجين الجدد من الجامعات فرص عمل في سوق العمل الذي يعاني هو الاخر الكثير من الضعف والركود، ما تسبب بارتفاع معدل البطالة إلى 19 %. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبحسب دراسة "الباروميتر العربي"، فان هناك تراجعا حادا في الثقة بالمؤسسات السياسية بجميع المجالات بما في ذلك الحكومة والبرلمان. وهذا التراجع خطير، إذ يفاقم أوضاع المواطنين ويزيد من توترهم ويضاعف رغبتهم بالهجرة إلى الخارج. اعتقد، أن هناك ضرورة للتوقف عند هذه الأرقام، وعدم تجاهلها، أو اخذها بالجدية المطلوبة من خلال التشكيك بها، فعدم الاهتمام بها، وعدم البحث عن معالجة للأسباب التي أدت اليها وتسببت بها، سيفاقم حالة المواطن. فعندما يعاني المواطن من أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، ويضاف اليها عدم الثقة ببعض المؤسسات السياسية المهمة كالحكومة والبرلمان، فهذا يعني أننا نعيش في أوضاع خطيرة، لايجوز تجاهلها، وعدم التوقف عندها. الحكومة معنية ومطالبة بالتوقف عند هذه الارقام، ولكن كما يبدو، فانها غير معنية بها، ومازالت تواصل نهجها وطريقة معالجتها لكل القضايا والمشاكل الاقتصادية والسياسية والتي اثبتت التجربة أنها غير ناجعة ولم تحقق الأهداف المنشودة. أما النواب، فهم أيضا بحاجة لمراجعة حقيقية لادائهم، فتراجع الثقة بهم، يقود إلى عدم الثقة بالبرلمان كمؤسسة، وهذا أمر في غاية الخطورة، وعدم التوقف بجدية أمام أداء النواب سيضاعف عدم الثقة، ويتسبب باضرار كبيرة للمواطنين والدولة.اضافة اعلان