الرقابة على العملات المشفرة

عدنان أحمد يوسف*

التذبذب الكبير التي تشهده أسواق العملات المشفرة طوال الأشهر الماضية يؤكد ما سبق أن ذهبنا إليه حول المخاطرة العالية التي تنطوي عليها هذه العملات لأسباب تطرقنا لها سابقا.
بطبيعية الحال، نحن لا نتحدث عن العملات المشفرة بالمطلق، بل نقصد تحديدا العملات الخارجة عن إشراف أي سلطة نقدية أو حكومية. أما العملات الرقمية المشفرة كتقنية، فنحن نرى أن العالم سوف يقبل عليها إن آجلا أم عاجلا، وهي تندرج في إطار التحولات الرقمية الهائلة التي نشهدها في الوقت الحاضر والتي تعززت وأعطت زخما كبيرا لها تداعيات جائحة كورونا.
وفي هذا الإطار، أطلق كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التسويات الدولية دعوة مشتركة من أجل التعاون العالمي بشأن العملات الرقمية للبنوك المركزية، حيث إن ما يقرب من 90 % من البنوك المركزية على مستوى العالم تدرس إطلاق نسخة رقمية من عملاتها.
ويدعو صندوق النقد الدولي البنوك المركزية حول العالم لإصدار عملات رقمية، وضرورة بحث هذا الملف بصورة جادة ودقيقة وإبداعية، من منطلق أن للدولة دوراً في تقديم المال إلى الاقتصاد الرقمي، حيث إن المدفوعات ستكون آمنة ورخيصة وفورية، كما أن البنوك المركزية سوف تحتفظ بقاعدة مؤكدة عن المدفوعات، وأوضح الصندوق أنه رغم التخطيط جدياً من عدة بنوك عالمية لهذا الإصدار، فإن هذه العملات ما تزال محدودة، ويرى الصندوق أن وجود هذه العملات تحت إشراف البنوك المركزية هو السبيل الأنجح لمواجهة وتقييد استخدام العملات المشفرة التي خارج رقابة السلطات النقدية.
وفي تقرير تم إعداده لاجتماع مجموعة العشرين في إيطاليا، يرى خبراء أهمية أن تأخذ البنوك المركزية في اعتبارها البعد العابر للحدود، حيث إن الآثار المترتبة على العملات الرقمية للبنوك المركزية، حتى وإن كانت مخصصة للاستخدام المحلي فقط، لا بد لها من أن تتجاوز حدود الدولة. ويرى هؤلاء أن تسهيل المدفوعات الدولية باستخدام عملات البنوك المركزية الرقمية يمكن تحقيقه من خلال درجات مختلفة من التكامل والتعاون، وهو ضروري للتعامل مع العواقب المالية الكلية المحتملة التي يمكن أن تسببها العملات الرقمية للبنوك المركزية.
ومع انتشار التداول في العملات الرقمية على مستوى العالم وفي غالبية الدول، فلم يعد هناك أي بديل أمام الحكومات والبنوك المركزية على مستوى العالم سوى الاتجاه إلى تقنين أوضاع هذه السوق والتعامل مع الأمر الواقع، فلم يعد بالإمكان تجاهلها أو عدم التعاطي مع هذه السوق في ظل هذا الزخم الذي صنعته خاصة منذ ظهور فيروس كورونا ونجاح العملات المشفرة في استقطاب شرائح عديدة من المستثمرين.
وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية، وهي أكبر اقتصاد في العالم، منذ فترة كبيرة عن الدولار الرقمي، وهذا الاتجاه يعزز من ضرورة تقنين أوضاع سوق العملات الرقمية المشفرة، ولكن الموضوع يحتاج إلى ضوابط وتحرك دولي من قبل البنوك المركزية التي يجب أن تتشارك في ضرورة تحديد آليات رقابية تضمن تحويل هذه السوق من مصدر خطر على الاقتصادات الرسمية إلى شريك وفاعل في الاستثمار. وتعكس التصريحات الأخيرة لرئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات في الولايات المتحدة، غاري جينسلر، أمام أعضاء في مجلس النواب، والتي قال فيها إن "قواعد حماية المستثمرين يجب أن تنطبق على بورصات العملات المشفرة"، رغبة الهيئات الرقابية الأميركية في وضع قواعد لتنظيم سوق العملات المشفرة أسوة بأنشطة "وول ستريت"، التي تحمي المستثمرين في مجال الأوراق المالية. لكن التحدي الذي يواجه هذه السوق هو عدم وجود جهة لتنظيمه، مهمتها التدقيق على تعاملات بورصات العملات المشفرة أو الوسطاء، حيث إن الكثير من الأموال تستثمر في العملات المشفرة رغم القلق بشأن ما إذا كان هناك نظام مالي متطور لإدارتها.
بينما أعلنت المفوضية الأوروبية، الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، أنها تريد إنشاء وكالة لمكافحة تبييض الأموال في إطار اقتراحات تشريعية تهدف أيضاً إلى مكافحة تمويل الإرهاب بشكل أفضل. وستكون هذه الوكالة الجديدة مكلفة بشكل خاص الإشراف والتنسيق مع السلطات الوطنية. ومن بين مهامها الرقابة على تعاملات العملات المشفرة وفرض الحظر على التعاملات بالعملات المشفرة مجهولة المصدر كجزء من خطة أوسع لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وبدون وضع آليات لعمل سوق العملات الرقمية والمشفرة والاستثمار فيها، ستظل مصدراً للقلق والخطر على مستوى العالم، ويمكن استخدامها في عمليات غير مشروعة سواء من حيث نقل وتحويل الأموال أو في عمليات غسل وتبييض الأموال، وبالتالي لا بد من تحرك دولي حتى تتحول هذه السوق من مصدر للقلق والمخاطر إلى مصدر آمن وفعال للاستثمار الرسمي والخاص.

اضافة اعلان

*رئيس جمعية مصارف البحرين
رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا