الروس الجدد

 يفتح التدخل الروسي بثقله العسكري في الأزمة السورية الباب واسعا أمام احتمالات تحولات جديدة في استراتيجيات الدول الكبرى في المنطقة في ضوء ما ستسفر عنه الأحداث على الأرض السورية خلال الأشهر أو الأسابيع القادمة من تحولات.اضافة اعلان
 لا يمكن الأجابة عن سؤال هل تغير الروس واصبحوا اكثر إدراكا لاهمية المنطقة ولحدود مصالحهم، بل وأصبحوا أكثر إرادة وقدرة على مواجهة الرفض التقليدي لحلمهم التاريخي بالوصول الى المياه الدافئة. لا يمكن معرفة ذلك قبل الإجابة عن سؤال آخر؛ هل تغير الأميركيون، وما نشهده هذه الأيام هو نسخة مبكرة من سياسة أميركية جديدة لم تشهدها المنطقة منذ منتصف الخمسينيات من القرن العشرين الماضي؟
بعيدا عن الخطاب الإعلامي الغربي الموجه للرأي العام العربي وتلك الخطابات التي تنتجها الدعاية العربية، فإن ثمة نقاشا موسعا تشهده وسائل الإعلام الاميركية ومراكز الدراسات وجماعات التفكير الاستراتيجي. يكاد هذا النقاش يصل إلى خلاصة مفادها أن الولايات المتحدة عمليا منحت الروس ضوءا أخضر ربما كان خافتا، وهذا الضوء وصل الى مستوى التنسيق العسكري في ادارة العمليات مع عمليات التحالف لتفادي وقوع الاخطاء. بل إن بعض الاصوات الأميركية قرأت في خطاب الرئيس الاميركي باراك اوباما امام الجمعية العامة للامم المتحدة اعترافا صريحا بفشل الاستراتيجية الاميركية في سورية. يأتي هذا الاعتراف بعد مرور عام على بدء عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" الذي استهلك موارد استراتيجية هائلة دون ان يحقق أيا من اهدافه.
الاتجاه الآخر يرى أن الخطوة الروسية هي محصلة لسلسلة من التفاهمات الصعبة التي وصلت اليها قوى دولية واقليمية حول مستقبل سورية الى جانب تصفية عدد من البؤر الصراعية الاخرى التي خلفتها حركات ما سمي "الربيع العربي"، هذا لا يعني بالتحديد فكرة الصفقة الكبرى التي يروج لها بعض الناشطين العرب، بل هي حالة اقرب الى تفاهمات صعبة تختلف درجة الرضا عنها من طرف الى آخر، وهذا يمكن ان نلمسه من المواقف الغامضة وتلك الحائرة والاخرى المترقبة من التدخل الروسي سواء في الغرب او في تركيا ومصر وصولا الى اسرائيل.
علينا أن نتذكر ان روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفيتي السابق. والاتحاد الروسي الجديد يخوض معاركه بدون ايديولوجيا وبلا شعارات جذابة، وعلى الرغم من ان الاتحاد الروسي دخل في لعبة تبديل الحلفاء في اكثر من مكان في العالم الا انه ورث حلفاء الاتحاد السوفيتي في المنطقة، حيث تغير الروس خلال ربع القرن الماضي كثيرا في طرق ادارة مصالحهم وصراعاتهم، كما تغيرت نظرتهم الى المنطقة. وحدهم العرب سواء الحلفاء أو الخصوم ما يزالون يديرون علاقاتهم مع الروس  بذهنية الحرب الباردة.
من الواضح أن هناك قناعات عربية أن الولايات المتحدة في هذه المرحلة تفتقد الإرادة والقدرة على إحداث اختراق حقيقي في عدد من ملفات الشرق الأوسط المستعصية منذ سنوات، فيما زاد الاتفاق الغربي – الإيراني من المرارة العربية عند بعض النخب السياسية الحليفة تاريخيا لواشنطن التي رأت في ذلك الاتفاق أن الولايات المتحدة تخلت عن حلفائها، في الوقت الذي يتنامى فيه الحضور الروسي في المنطقة؛ ففي هذه المرة ليست كل اوراق اللعبة في يد واحدة.
احد اكبر التحفظات العربية على تنامي الدور الروسي ليس على التدخل العسكري ضد المنظمات الارهابية في سورية، بل على اليوم التالي أي من سيحكم سورية في نهاية النهار؟ وفيما يتصرف الروس كدولة قومية تمارس عقلانية باردة في إدارة مصالحها الدولية، يغيب عن العرب في الاقليم بأن العقلانية السياسية التي تستجيب لمصالحهم تتطلب أولا  ترك الشعب السوري يقرر مصيره بنفسه.